عرب وعالم

الاتفاق الملغوم : هشاشة النقاط المؤجلة قد تمزق وقف إطلاق النار

 

بعد الحرب العالمية الثانية، توجهت الولايات المتحدة الأمريكية لخطة شيطانية تننطوي على فكرة “إعادة الإعتبار بصفته إعادة صياغة في الامبريالية الأمريكية و الهيمنة الغربية في صورة إعادة الإعمار ، فلامبرر لإعمار ما خربته أيدينا من دون فرض أجندة معينة ” بحد تعبير ديفيد آرون في كتاب ” أمريكا في اليسار ” ليخلص بذلك لحقيقة قطعية بهدف إعادة الاعتبار للغربنة و الهيمنة الغربية و الأمريكية بشكل جديد و مستحدث و  إنساني للغاية ، بشكل موضوعي نوعًا ما و جزئي ، يضفي كذلك المسحة الأخلاقية المزيفة على خطة إعادة اعتبار لنوع آخر أنعم و أكثر خفة بالفعل من الاستعمار المباشر  .

فعلى هذا المنوال ، طبقت هذا الخطة الشيطانية على اليابان بعد الحرب العالمية فتحولت لدولة آلية بلا روح نابضة و لا إحساس مرهف ، عبر تحويلها لنموذج مصغر من الولايات المتحدة بشكل جارف ، لدرجة وصلت لإدانة شديدة ل7 أكتوبر باعتبارها “هجومًا ينبع من الإرهاب و التطرف و المذابح البربرية ” ما دفع البروفسور السياسي و أستاذ علم الاجتماع آنذاك عزرا فوجيل بأن يصف البيان الياباني ” بالمهزلة السياسة ” ، فقط لإن الخطة الماكرة أنتجت عقلية أمريكية غربية تمامًا بهدف فقط غسيل السمعة الغربية و الأمريكية تحت عباءة المساعدات الإنسانية و الإغاثية لكنها في حقيقة الأمر مجرد مختبر ” لغسيل الدماغ الطاغي “بتعبير جي أي بروان أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك .

كما أن الفكرة الأساسية لتطبيقها في غزة هي فكرة غيرمجدية من الناحيتين السياسية و الاقتصادية إذ خرجت اليابان من الحرب مدمرة بالكامل و محطمة نفسيًا و ليس لها مستقبل و كذلك شعب كان قابلًا لذلك ، أو بتعبير وزير الدفاع الأمريكي في عهد روزفيلت جون مارشال “الاكتساب الناعم لحلفاء جدد ” مشكلين بالأساس لتطبيق و تنفيذ مصالح الولايات المتحدة حرفيًا ، من دون حتى تعديلات طفيفة بالفعل ، أو حتى إضفاء اللمسة الخاصة على السياسة و الفكر و العلوم الاجتماعية ، في تعبير صارخ عن استنساخ مشوه للغرب كليًا .

بشكل أكثر تفصيلًا،  عمل الغرب كله و على رأسهم الأمريكان على محو اليابان بشكل نهائي و قطعي  لبدايات عقيدة الصدمة ، و إعادة التشكل الكلي من أول الفكر حتى الحياة اليومية،  بمعنى أدق  تذوقهم المهانة الضخمة و الانكسار المذل التي ترافقها بالضرورة حالة من الاتباع الأعمى ، و لعل هذا ما قاله المهدى المنجرة في كتابه المبدع زمن الذلقراطية ، ملحمًا لإن أي علاقة دولية خاصة من بعد إعادة الإعمار إنما هي علاقة عبودية متبادلة ، تقوم بالأساس على تنفيذ مصالح القوي العظمى على حساب الضعيف ، و خاصة في رهن جميع قراراته في يد المستعمر الأجنبي أو في تلك الحالة الطاغي .

 

و هكذا ، تتزامن خطة الإعمار الجديدة مع وقف إطلاق النار في غزة لإنها عمليًا أرض خربة مدمرة قذفت ب١٦ ضعف ما قذفت به هورشيما ، و لكن الناس المخلصين يعودوا ليقولوا لا لريفيرا الشرق الأوسط ، لا للتطهير العرقي ، لا للتهجير لتتجسد فيها قول الشاعر أمل دنقل رحمه الله “من قالوا لا في وجه من قالوا نعم”في قصة كلمات سباركتوس الأخيرة،  ليتقابل مع مارتن فان كريفليد عميد المؤرخين العسكرين الإسرائيليين ليكمل عليه أن “شارون نفسه تقتقهر”أمام من قالوا لا لا لشيء فقط لإنهم سئموا أن تكون أرضهم مختبر ضخم و أكبر معسكر اعتقال على وجه الأرض ، ليواجه الاتفاق بعدها عقبة صخرية تتشمل على عقدته الأولية من الأسرى الرموز التاريخية في النضال الفلسطيني منذ ١٩٦٧ على الأقل

البنى المتفجرة:  الأسرى و معضلة الحكم و السلاح قد يشعل عقل نتنياهو لعودة الحرب .

بشكل أكثر غموضًا ووضوحًا في الوقت ذاته ، يشكل ملف الأسرى أحد أخطر و أكثر الملفات الحساسة ، التي قد تتمحور في العقل اليميني الذي لا يهمه أكثر و لا أغلى من أسراه ، لدرجة اتفاق من المحللين السياسين بن ريف و أوري جولدنبرج على فكرة تنطوي تحت لواء ” ما يمنع التوحش الإسرائيلي عن غزة هو عين الهدف الأول من تلك الحرب ” البربرية الإبادية المشكلة لبنى متفجرة و نقاط كاملة الغموض و السيولة في خطة ترامب المفخخة أصلًا من دون التلاعبات الفاضحة لنية عودة الحرب و تخفيض سقف التفاوض للابتعاد عن التفاوض على الأسرى الأبطال القيادين للتفاوض في تفاصيل هامشية و جانبية مثل قصة البقرة مع بني إسرائيل المشهورة في القرآن الكريم .

فيجسد التلاعبات و المراوغات الحقيقة المتعددة التي اتخذت أكثر من منظر بحق ، تلك المراوغة المنيحة للتفاصيل الهامة حتى تشتت الآخرين ، فهكذا تنقل الأهداف و النوايا الضخمة لقطع مندثرة و تفاصيل هامشية و عروض جانبية لا تنم فقط عن حقد معتاد أو رغبة انتقامية دفينة ، بل عن رغبة حقيقة و أرضية واقعة عن عدم رغبتهم في الدخول لمرحلة سد ، علاوة على مخاوفهم الأصلية و اعتبارهم العويصة التي تعوق من إصلاح الخلل البنيوي الذي سيقع حيال تحرير كبار القادة  مثل مروان و عبد الله البرغوثي و أحمد سعدات و غيرهم.

الأطروحة التي يتبناها الدكتور نزار نزال الخبير الفلسطيني في شئون الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني ، حيث يرجع سبب تعنت الاحتلال لعدم الإفراج عنهم للحالة المتوقع تشكلها عند الفلسطينيين و الإسرائيليين على حد سواء ، لما بها من تناقض بهما فالإسرائيلي ” له اعتبارات مختلفة “تمام الاختلاف حيث ” ستشكل قاعدة وطنية موحدة قابل للبناء عليها ” بينما سيفقد الإسرائيليون الثقة و ستصيبهم حالة من الشك و” وعدم اليقين ” ، فضلًا عن خوف اليمين المتطرف منهم  مثلا بن غفير و سموتيرتش ما يوجد إلزامًا موحدًا و ضرورة قصوى لمثل ما حدث اليوم من مهزلة على المستوى الصهيوني .

و يواجهون كذلك المرحلة الثانية ، التي هي لب الموضوع و أصل المشكلة الأمنية الموجدة للصهاينة ألا و هي نزع سلاح حماس ، و هو أمر ثابت و أصيل في المقاومة الفلسطينية عبر تاريخها ، تاركة الأمر لمزاج و عقلية نتنياهو الذي لا يريد وقف الحرب مطلقًا قولًا واحدًا ، و هو ما أرجعه ريف نفسه للاتفاق عديم الضمانات و شرطيه المتعلقين بالبقاء في غزة و تجميد إطلاق النار فقط ، لا وقفه نهائيًا ، و رغم ذلك الشكل المنمق لا يوجد ما يثبت الاتفاق غير كلمة “نعم ، و لكن” و هو ما يفتح الباب لوقوفه على حافة هشة و أرضة مذبذة بحق و خاصة في المرحلتين الآخرتين

و طالما الرئيس الأمريكي ملزم أكثر تجاه نجاح سلام خنوعي يصل للاستسلام التام من المقاومة ، فإن الإسرائيلي كذلك متأهب للعودة للحرب حقًا و أولًا فقط إن ما وجد المخالفة الهوائية ، مع إغفال واضح و صريح تام لا يغفل على أحد حتى و لو تم تسليم السلطة و السلاح لحكومة تكنوقراطية فإن ذلك لن يوقف الحرب لما يذكره البروفسور نورمان فلينكاشتين في كتابه “غزة : بحث  في استشهادها ” من أن طبيعة غزة ” الفاشلة  بسبب فاشية المحتل و تطرفه الجلي و البربري ، فضلًا عن تقلب ترامب العام و المستمر لدرجة متسارعة للغاية .

ترامب البرتقالي  غير المتوقع….تداعيات ما بعد نوبل الخاسرة !!

لا يوجد ما هو أكثر عدلًا على الغزيين في تلك الصفقة أرحب من ترامب الفائز بجائزة نوبل للسلام ، لما سيحاول القيام به من ضمانات ضعيفة تضمن للفلسطينيين في غزة بداية مطاف العدل و ضمان وقف الحرب نهائيًا ، و لكن بعد خسارته الفادحة و المدوية ، من المستعبد أن يكون وقف إطلاق النار حقيقًا ملموسًا بل سيضحى إما كالانتداب الدولي أو الإقليمي أو مزيج هجين بينهما ، فالخيارات مفتوحة و موسعة للغاية على جميع الأبواب المتعسرة و السيناريوهات المجنونة فقط من أجل ” هوسه الذي ما زال يرفقه حتى بعد خسارته له ” مثلما قال الأستاذ في العلوم السياسية جيمس كورتتز في مقال تحت عنوان ” هوس ترامب المتوقد بنوبل لم يتوقف “.

و من المسجل تاريخيًا و سياسيًا عن ترامب شدة تأييده و دعمه الشديد لسياسات الاستطيان و التطهير العرقي في الضفة الغربية منذ بداية الألفينيات الجديدة حيث دعم بقوة البناء على أرض منهوبة و مسروقة بدعوى الربح فدخل بتمويلاته الضخمة و الغنية للغاية حتى فترتي رئاسته الأولى و الثانية كذلك بدعم من شخصيات بارزة و غنية للغاية من الإفنجيليين الأمريكان مثل روبرت مردوخ و بيل أكمان و كذلك مريم أدلسون التي مولت حملته الانتخابية على مدى 8 سنوات ليحرز فوزًا على حساب مال القمار و العهر الإعلامي .

كما يضيف أستاذ السياسة الدولية في جامعة كولومبيا ديفيد بيامان في تحليله عن احتمالات الثقة و الأمان لشخصية ترامب المذبذبة المتغطرسة التي لا يحركها غير المديح المبالغ فيه فضلًا عن شبكة مصالحه المالية و الشخصية بحق ، و يأتي هذا واضحًا خلال العام الحالي في رفع العقوبات عن سورية و حربه على إيران فترة ال12  يومًا و دعمه للهند في بداية الحرب القوية مع باكستان حتى أوقفها في النهاية خشية خروجها عن السيطرة المرجوة  .

و بالنسبة لغزة ، فالأمر بانوراميًا أكبر من مجرد قطعة الأرض الصغيرة في المساحة و الشكل بقدر ما هو إعادة الانتداب الدولي و إحضار وكلاء أجانب بدلاء عن الحكومة التكنوقراطية المكونة من أطياف فلسطينية مختلفة ليبدو أنه يريد حفر قبرها بعدما حولها لكتلة حزينة في عزاء مفتوح بأموال الولايات المتحدة و أسلحتها التي ” حققت السلام ” بحد تعبيره الهزلي الذي طالما تفاخر بمنتهى العنهجية بأن الطريقة الوحيدة للسلام هو القوة ، و من هنا يرجى الحذر من البنود المؤجلة فيها لإنها شرعنة للتهجير و الريفيرا و التطهير العرقي و إكمال ” مكأفاة الإبادة” كما قال جوزيف مسعد في مقاله على موقع ميدل إيست آي   .

اقرأ أيضاً:

“التجارة” السعودية تصدر 128 ألف سجل تجاري جديد في الربع الثالث

مصطفي نصار

كاتب و مترجم متخصص في الفلسفة السياسية و التاريخ المتعلق بالشئون السورية و الفلسطينية و السودانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى