فايننشال تايمز — كيف دفع هجوم بوتين التاريخي في ألاسكا ترامب إلى الاقتراب من موقف أكثر دعماً لأوكرانيا

وصل دونالد ترامب إلى قمة وأنهى بها آمالاً سابقة في اقتراح سريع للسلام مع فلاديمير بوتين؛ فقد بدا أن الرئيس الأميركي يرد على عرضٍ قد يفضي إلى وقف القتال في أوكرانيا، لكن اللقاء في أنكوراج بولاية ألاسكا تحوّل إلى نقطة تحوّل غير متوقعة في علاقة الرجلين. بدلاً من اتفاق، ألقى بوتين محاضرة مطوَّلة عن التاريخ ورواياتها، ورفض أي توازن وسط بين طموحاته الإقليمية ومقترحات واشنطن، ما دفع ترامب إلى الانزعاج وإلغاء جزء من الاجتماع — لكن النتيجة الفعلية كانت إحكام الولايات المتحدة موقعها لصالح دعم أوكرانيا أكثر صراحةً مما بدا في بدايات المحادثات.
من اقتراح سلام إلى محاضرة تاريخية
بحسب مصادر غربية وأوكرانية ومقربين من المسارات الخلفية للمحادثات، دخل ترامب القاعة في ألاسكا متوقعًا أن يقنع بوتين بقبول مقترح أميركي ينطوي على تهدئة مقابل تنازلات محددة. لكن بوتين، الذي رفض فكرة التخلي عن مكاسب الحرب ما لم تكن هناك تسوية شاملة تحقق «أسباب الصراع» من وجهة نظره — أي تغيير النظام في كييف، وقف توسع الناتو، ووقف امدادات السلاح الغربية — استرسل في سرد تاريخي طويل عن جذور العلاقة بين روسيا وأوكرانيا، مستحضراً أسماء من العصور الوسطى وصولاً إلى القرن السابع عشر لتأكيد روايته القومية القائلة إن البلدين مرتبطان تاريخياً.
رد فعل ترامب كان مفاجئًا: فقد ارتفع صوته، هدد بالمغادرة، وقصّر اللقاء، حتى أن الغداء الموسع الذي كان مقرّراً ألغي. المشهد أعقبه قلق دبلوماسي واسع من أن الرئيس الأميركي قد يكون انحاز ضمنيًا إلى مطالب موسكو على حساب سيادة أوكرانيا.
كيف جعل الفشل في ألاسكا واشنطن أقرب إلى كييف؟
المفارقة تكمن في أن سقوط الآمال في أنكوراج لم يترجم إلى تقارب أميركي مع موسكو. بل على العكس، كانت تلك الجلسة بمثابة صدمة أيقظت صانعي القرار الأميركيين وأوروبا على حد سواء تجاه نوايا بوتين الحقيقية، فظهرت مبادرات أميركية وأوروبية جعلت البيت الأبيض أكثر ميلاً لدعم أوكرانيا دفاعياً:
ضغوط عملية على روسيا شملت السماح لحلفاء أوروبيين بشراء ذخائر من مخزونات أميركية لدعم كييف (مبادرات مثل PURL)، ما وسّع قدرة أوروبا على تجهيز أوكرانيا دون تحميل الخزانة الأميركية وحدها العبء.
توجه واشنطن لدفع أوروبا نحو استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل قروض أو مساعدات لأوكرانيا، وتنسيق إجراءات جمركية على واردات من دول تتعامل بالنفط الروسي.
نقاشات مكثفة حول تزويد أوكرانيا بمنظومات وصواريخ بعيدة المدى — بما في ذلك ما أشيع عن إمكانية توريد صواريخ «توماهوك» — كوسيلة ضغط على القيادة الروسية، أو على الأقل كعامل ردع استراتيجي.
باختصار، ما بدا في البداية تنازلًا محتملاً تحول إلى حافز لاتخاذ سياسات أكثر صرامة ضد موسكو، لأن الأوساط الغربية اعتبرت أن بوتين لم يكن نزيهاً في مقاربته ولا مستعدًا لتقديم تنازلات جوهرية.
سوء الفهم والهوامش الدبلوماسية
أحد عناصر الإرباك يكمن في ما قدّمته بعثة البيت الأبيض — عبر المبعوث ستيف ويتكوف — من تصورٍ عن «تنازلات روسية» احتوتها عبارة عن تثبيت خطوط جبهات لم تكن روسيا قد تطلبت التنازل الكامل عنها. بعض المراقبين يقولون إن الجانب الأميركي فهم خطًا روسيًا على نحو متساهل: ما اعتُبر “قبولًا بتجميد خطوط أمامية في مناطق محددة” لم يكن سوى تقليلٍ لصيغة موسكو التي تطلب تنازل أوكراني موسعًا، بما في ذلك السيطرة على الدونباس.
البيت الأبيض أنكر أن يكون هناك أي لبس جوهري في فهم الموقف الروسي، بينما تقول مصادر أخرى إن ويتيكوف قد أعطى إشارات أثارت توقعات أميركية بأن على بوتين القبول بشيء أقل من الاستسلام الأوكراني الكامل.
اللعب المزدوج: بوتين يمتدح ترامب ويترك هامشًا
خارج الغرف المغلقة، استمر بوتين في إظهار نوع من المديح لترامب واصفًا إياه أحيانًا بمَن كان ليمنحه جائزة نوبل لو ظل في السلطة في الوقت المناسب، ومؤكدًا أن الحرب «لم تكن لتقع لو أن ترامب كان رئيسًا آنذاك». كان هذا المديح بمثابة رسالة مزدوجة: إطراء يكسر الجليد، لكنه لم يترجم إلى مرونة في أرض الواقع حين أتت لحظة المواقف الصلبة حول الأراضي والشرعية.
في المقابل، حاول ترامب الحفاظ على مسارٍ وسيط، إذ قال إنه راضٍ عن «تقدّم» جرى خلال محادثاتهم الأخيرة، وأعلن عن نيته عقد لقاء لاحق في بودابست. لكن الدبلوماسيين الأوروبيين يشكون أن موقف ترامب متقلب — يُشدُّ أحيانًا باتجاه فرض ضغوط على روسيا، ثم ينجذب أحيانًا ثانية إلى خطابات بوتين أو وعوده التكتيكية.
تداعيات لمعركة النفوذ والدبلوماسية متعددة الأطراف
اللقاء كشف هشاشة خط الاتصال والشروط السياسية المحيطة بأي صفقة محتملة، وأظهر أن مسار الوساطة الأميركية يعتمد بشدة على قدرة واشنطن على إقناع الحلفاء الأوروبيين والشركاء الإقليميين بلغة واضحة وقابلة للتنفيذ. كما أعاد فتح نقاشًا حول أدوات الضغط الفعالة: هل يكون الرد عبر مزيد من العقوبات والضغط المالي؟ أم عبر تزويد أوكرانيا بقدرات هجومية استراتيجية تسمح بخلق تكاليف عليا لموسكو؟
خاتمة: ذهاب وعودة على حبل التفاوض
قمة أنكوراج لم تَلِد اتفاقًا، لكنها أعادت تحديد المسافات بين ترامب وبوتين: أسقطت الوهم القائل بأن لقاءً واحدًا يمكن أن يحقق تسوية شاملة دون ثمن ميداني حقيقي من موسكو. وفي المقابل دفعت الفشل الروسي-الأمريكي المؤقت إلى جعل الولايات المتحدة أقرب خطوة إلى تحريك حلفائها والمساهمة بآليات دعم أقوى لكييف. لا يزال المستقبل معلقًا: هل ستحوّل محادثات بودابست المقبلة هذا الزخم إلى اتفاق قابل للتطبيق أم أنها ستعيدنا إلى نفس دورة التفاوض والتأجيل؟ المراهنة تظل متأرجحة بين رغبة ترامب في تسجيل إنجاز دبلوماسي وشكوك الأصدقاء الأوروبيين بشأن مدى قابلية موسكو للتنازل



