وزارة الدفاع الأمريكية تعلن عن ضربة جديدة ضد «قارب مخدرات» في الكاريبي
في خطوة جديدة ضمن سياسة واشنطن المثيرة للجدل، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسث أن الجيش الأمريكي نفّذ ضربة عسكرية في البحر الكاريبي استهدفت زورقًا يُشتبه في نقله مواد مخدرة، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص كانوا على متنه. تأتي العملية في إطار حملة أوسع أطلقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ مطلع سبتمبر ضد ما تصفه بـ«قوارب المخدرات الإرهابية»، وهي عمليات أثارت ردود فعل واسعة من خبراء القانون والمنظمات الحقوقية بسبب غياب الشفافية حول طبيعة الأهداف وتبريرات استخدام القوة المميتة. وبينما تبرر واشنطن تحركاتها بأنها دفاع عن الأمن القومي ومكافحة للجريمة المنظمة، يتصاعد القلق من أن تتحوّل هذه الضربات إلى نمط جديد من التدخل العسكري خارج إطار القانون الدولي.
تفاصيل العملية
نفذت القوات الأمريكية الضربة في الساعات الأولى من ليل الخميس – الجمعة، مستهدفة زورقًا قالت إنه كان يتحرك في أحد المسارات المعروفة لتهريب المخدرات عبر الكاريبي. وبحسب تصريحات وزير الدفاع، فإن العملية تمت في المياه الدولية بعد رصد الزورق عبر الأقمار الصناعية، لتُطلق عليه صاروخًا موجهًا أدى إلى انفجاره الكامل ومقتل جميع من كانوا على متنه. هيغسث نشر مقطع فيديو قصيرًا يُظهر لحظة التفجير في عرض البحر، مؤكّدًا أن القوات الأمريكية لم تتعرض لأي إصابات. وتعد هذه أول عملية تُنفذ ليلًا ضمن الحملة الجديدة، في مؤشر على اتساع نطاق العمليات وتعقيدها الميداني، ما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية وطبيعة المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها.
خلفية سياسية وأمنية
بدأت هذه الحملة العسكرية في 3 سبتمبر عندما أعلن ترامب شخصيًا تنفيذ أول هجوم من هذا النوع، مؤكدًا أن الهدف هو «مكافحة الإرهاب المرتبط بتجارة المخدرات». ومنذ ذلك الحين، نفذت الولايات المتحدة عدة ضربات متشابهة في الكاريبي وعلى الساحل الهادئ لأمريكا الجنوبية، دون تقديم تفاصيل دقيقة عن الأدلة أو هوية الضحايا. وتشير تقارير إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية “CIA” تضطلع بدور رئيسي في جمع المعلومات حول الأهداف، ما يجعل تفاصيل العمليات محاطة بالسرية ويحد من فرص المراقبة أو التحقق المستقل. ويؤكد خبراء أن هذا النهج يعزز انتقادات ترى أن الإدارة الأمريكية تستخدم «التهديد بالمخدرات» غطاءً لتوسيع صلاحياتها العسكرية في مناطق لا توجد فيها حالة حرب رسمية.
الجدل القانوني والدبلوماسي
تقول واشنطن إن الزورق الذي تم استهدافه تابع لتنظيم «Tren de Aragua» الفنزويلي، الذي أُدرج مؤخرًا على قائمة الإرهاب الأمريكية. غير أن خبراء القانون الدولي يشككون في قانونية الضربة، مشيرين إلى أن تصنيف جماعة إجرامية على أنها «إرهابية» لا يمنح واشنطن الحق في تنفيذ عمليات قتل خارج نطاق تفويض الكونغرس أو القانون الدولي. الموقف الأشد جاء من الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، الذي وصف العملية بأنها «جريمة قتل خارج القانون» وانتهاك صارخ للسيادة الدولية. كما حذّرت منظمات حقوقية من أن استمرار هذه السياسة قد يفتح الباب أمام «تطبيع» استخدام القوة في البحر بذريعة مكافحة المخدرات، ما يهدد الأمن الإقليمي ويقوّض القانون الدولي الإنساني.
المبررات الأمريكية وموقعها من القانون
تستند الإدارة الأمريكية في دفاعها إلى المادة الثانية من الدستور التي تمنح الرئيس صلاحيات محدودة لاستخدام القوة العسكرية في حالات «الدفاع عن النفس» أو «الاشتباكات الوقائية». غير أن محللين يؤكدون أن هذا التفسير فضفاض ولا ينطبق على عمليات في المياه الدولية ضد أهداف غير عسكرية. البيت الأبيض يصر على أن الهدف هو «تجفيف منابع تمويل الجريمة المنظمة التي تُغذي الإرهاب والمخدرات في نصف الكرة الغربي»، معتبرًا أن تلك القوارب تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الأمريكي. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه الضربات تُستخدم أيضًا لأغراض سياسية داخلية، إذ يسعى ترامب إلى تعزيز صورته كرئيس قوي يحارب الجريمة عبر الحدود، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات المقبلة.
بين مكافحة الجريمة وخرق القانون الدولي
الضربة الأخيرة ترفع عدد الهجمات الأمريكية المعلنة ضد «قوارب المخدرات» منذ سبتمبر إلى عدة عمليات، ما يعكس اتساع نطاق الحملة وتحولها إلى سياسة عسكرية ثابتة. غير أن هذا التوجه يثير موجة متزايدة من التساؤلات القانونية والأخلاقية حول شرعية استخدام القوة المميتة خارج مناطق النزاع التقليدية. فبينما تعتبر واشنطن أن تحركاتها دفاعية واستباقية، تراها حكومات أمريكا اللاتينية «عدوانًا على السيادة» وخرقًا واضحًا للقانون الدولي. وبين هذين الموقفين، تبقى الأسئلة الجوهرية بلا إجابة: من يحدد العدو؟ ومن يراقب شرعية الأهداف؟ وكيف تُبرَّر الخسائر البشرية في عمليات لا تمر عبر تفويض أممي؟ في ظل هذا الغموض، يبدو أن البحر الكاريبي يتحول تدريجيًا إلى مسرح جديد للمواجهة بين الأمن الأمريكي والقانون الدولي.



