عرب وعالم

لبنان عند مفترق طرق: الأمم المتحدة تحذّر من منعطف تاريخي وسط تحولات إقليمية

أكدت جينين هينيس بلاسخارت، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، أن البلاد تمر بمرحلة مفصلية من تاريخها الحديث، وسط تحولات إقليمية وجيوسياسية غير مسبوقة تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة. وأوضحت أن لبنان يقف عند مفترق طرق حاسم سيحدد مستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي. جاء ذلك في كلمتها بمناسبة يوم الأمم المتحدة الذي يتزامن مع احتفال المنظمة بمرور ثمانين عامًا على تأسيسها. وأشارت بلاسخارت إلى أن الأمم المتحدة ما زالت ملتزمة بدعم لبنان ومساندته للخروج من أزماته المتعددة، مؤكدة أن الاستقرار في هذا البلد الصغير يُعدّ عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على توازن المنطقة التي تشهد تصاعدًا في التوترات الإقليمية، مما يجعل من التجربة اللبنانية اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأمم المتحدة على تحقيق السلام والتنمية في محيط مضطرب.

منسقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان جانين هينيس بلاسخارت

لبنان والأمم المتحدة.. شراكة ممتدة منذ التأسيس

 

ذكّرت بلاسخارت بأن لبنان كان من الدول المؤسسة للأمم المتحدة عام 1945، في محاولة لبناء نظام عالمي جديد يجنّب البشرية ويلات الحروب. ومنذ ذلك الحين، نشأت علاقة وثيقة بين بيروت والمنظمة الدولية، تجسدت في مساهمة لبنان في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ما جعله من أبرز الداعمين لمبادئ العدالة والمساواة. وأوضحت أن الأمم المتحدة واصلت على مدى العقود دعم لبنان سياسيًا وإنسانيًا، خصوصًا في فترات الحرب والاضطرابات، من خلال بعثات حفظ السلام والبرامج الإنمائية. وأضافت أن هذه الشراكة التاريخية لم تقتصر على الدعم المالي فقط، بل شملت أيضًا تعزيز مؤسسات الدولة ومساعدة اللبنانيين على الصمود في وجه الأزمات المتكررة التي عصفت بالبلاد.

 

استعادة القرار 1701 وسط توتر جنوبي متصاعد

 

أشارت بلاسخارت إلى أن عام 2024 شهد تصاعدًا في التوترات جنوب لبنان، بعد خروقات أمنية متكررة وأعمال عدائية أعادت ملف القرار 1701 إلى الواجهة. وأوضحت أن السلطات اللبنانية، بالتعاون مع الجيش والقوات الدولية، نجحت في إعادة تفعيل بعض بنود القرار الأممي بعد سنوات من الجمود، غير أن الوضع الإنساني لا يزال مقلقًا للغاية، مع استمرار الدمار الواسع في الجنوب ونقص التمويل الدولي. وأضافت أن الظروف الحالية تُضعف قدرة السكان على التحمل، في ظل تراجع الدعم المالي وغياب رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، ما يهدد بإعادة تفجير الوضع الميداني، ويضع الحكومة أمام تحديات معقدة تتطلب حلولًا جذرية لا مؤقتة.

 

جذور الأزمات مستمرة رغم الجهود الدولية

 

رغم محاولات الإصلاح المتكررة، أكدت بلاسخارت أن الأسباب الجذرية لأزمات لبنان لم تُعالج حتى الآن، مشيرة إلى أن التاريخ السياسي والاقتصادي للبلاد مليء بالإخفاقات التي تركت آثارًا لا تُمحى. ومع ذلك، شددت على أن الأمل لا يزال قائمًا إذا توفرت الإرادة السياسية والالتزام الجماعي بالمصلحة الوطنية. وأكدت أن الأمم المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب لبنان، عبر دعم خطط التنمية والإصلاح ومواكبة التوجهات الإصلاحية على المستويين الداخلي والإقليمي، بهدف استعادة الثقة في مؤسسات الدولة وتعزيز الاستقرار. وأضافت أن المجتمع الدولي يراقب الوضع اللبناني بقلق، لكنه يرى في صمود اللبنانيين بارقة أمل وسط المشهد المظلم.

 

لبنان بين الإرث الثقيل وفرص النهوض من جديد

 

في ختام كلمتها، أوضحت بلاسخارت أن الأمم المتحدة ستبقى ملتزمة بمساندة الدولة اللبنانية وشعبها، مؤكدة أن تجاوز الانقسامات الداخلية ضرورة لبناء مستقبل مستقر. وأشارت إلى أن لبنان يمتلك طاقات بشرية وثقافية قادرة على إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي، شريطة أن تُترجم الوعود إلى خطوات عملية. وأضافت أن المجتمع الدولي مطالب اليوم بدعم لبنان في مسيرته الصعبة نحو الإصلاح، لأن فشله لن يكون خسارة محلية فحسب، بل نكسة إقليمية تهدد الاستقرار في شرق المتوسط. وختمت بالقول إن الأمم المتحدة تؤمن بأن لبنان، رغم أزماته، ما زال قادرًا على النهوض من تحت الركام وصناعة تاريخه من جديد.

اقرأ أيضاً

اجتماعات الفصائل في القاهرة.. جهود مصرية لتوحيد الصف الفلسطيني وتنفيذ اتفاق غزة

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى