الذكاء الاصطناعي يقود وول ستريت إلى قمم تاريخية وسط هيمنة متزايدة لعمالقة التكنولوجيا

ارتفعت الأسهم الأمريكية لتسجّل الرقم القياسي الـ36 هذا العام، لكنّ مديري المحافظ الاستثمارية حذروا من مخاطر التركّز الشديد في السوق.
أكثر من 397 سهماً تراجعوا في جلسة واحدة رغم صعود مؤشر S&P 500، ما يعكس أن الأرباح محصورة في حفنة من الشركات التقنية العملاقة مثل أمازون، ميتا، مايكروسوفت، وإنفيديا.
ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجيا، وتشكل 36% من القيمة السوقية الكاملة و60% من مكاسب المؤشر منذ أبريل، وفق بيانات Nomura.
هيمنة غير مسبوقة
أصبحت إنفيديا أول شركة في العالم تتجاوز 5 تريليونات دولار من القيمة السوقية، ما رسّخ سطوة القطاع التقني.
محللون وصفوا الوضع بأنه “سوق مدفوع بالزخم والمبالغة في التقييم”، حيث يعتمد المستثمرون على شركات قليلة تحقق تدفقات نقدية ضخمة بفضل طفرة الذكاء الاصطناعي.
الشركات العشر الكبرى تستحوذ على 80% من نمو الأرباح الصافية في المؤشر خلال عام واحد، ويعود الفضل في ذلك إلى الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات والبنى التحتية للذكاء الاصطناعي.
الاستثمارات الفلكية في الذكاء الاصطناعي
من المقرر أن تنفق غوغل، أمازون، ميتا، ومايكروسوفت أكثر من 400 مليار دولار على مراكز البيانات في 2026، إضافة إلى 350 ملياراً في 2025.
ورغم أن هذه الاستثمارات أنقذت الاقتصاد الأمريكي من تباطؤ حاد وفق صندوق النقد الدولي، فإنها أثارت تساؤلات حول جدوى الإنفاق الضخم وموعد تحقيق العوائد.
نتائج الربع الأخير كشفت تفاوتاً واضحاً
Alphabet رفعت إنفاقها الرأسمالي إلى 93 مليار دولار فارتفع سهمها 3%.
Meta هبطت 12% بعد إعلان نفقات تفوق 100 مليار دولار على مشاريع الذكاء الاصطناعي.
Microsoft تراجعت 3% رغم تجاوز قيمتها 4 تريليونات دولار، نتيجة قفزة بنسبة 74% في الإنفاق.
سوق مركّزة… ومستثمرون قلقون
الاستثمار في مؤشر MSCI العالمي لم يعد يعني تنوعاً حقيقياً، إذ تمثل ثماني شركات تكنولوجية أمريكية ربع القيمة السوقية للمؤشر الذي يضم أكثر من 2000 شركة.
ويحذر الخبراء من أن “سقوط عملاق واحد قد يهز السوق بأكملها”، في حين يرى آخرون أن التركّز يعكس ثقة المستثمرين بـ“شركات مستقرة وقادرة على توليد أرباح مستدامة”.
فقاعة جديدة أم هيمنة طبيعية؟
منذ إطلاق ChatGPT في نوفمبر 2022، قفزت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بنسبة 165% مقابل 70% فقط لـS&P 500.
لكن هذا الزخم بدأ يتراجع في 2025 مع تحوّل المستثمرين إلى شركات أصغر مثل Palantir وOracle وGE Vernova.
دراسات مثل “The Fallacy of Concentration” أوضحت أن التركّز لا يعني بالضرورة خطراً، إذ إن الاستثمار المستمر في الشركات الكبرى حقق ثروة مضاعفة مقارنة بالاستراتيجيات المتحفظة.
تحذيرات من المبالغة في التقييم
رغم التفاؤل السائد، يرى خبراء مثل Qian Wang من Vanguard أن السوق “تسبق الواقع”، وأن التقييمات المفرطة ترفع مخاطر الهبوط أكثر من فرص الصعود.
نسبة السعر إلى الأرباح المعدّلة دوريًا في السوق الأمريكي بلغت أعلى مستوياتها منذ 25 عامًا، فيما تجاوزت نسبة السعر إلى المبيعات ذروة فقاعة الإنترنت عام 1999.
قيمة الأسهم الأمريكية الآن تعادل 225% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ 85% — وهو ما وصفه وارن بافيت سابقًا بأنه “مؤشر التحذير الأوضح للمبالغة في الأسعار”.
التمويل بالدين… بداية مرحلة جديدة
بدأت بعض الشركات العملاقة في الاقتراض لتمويل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي:
Meta تخطط لإصدار سندات بقيمة 25 مليار دولار.
Oracle جمعت 18 مليار دولار لتمويل مراكز بيانات تخدم OpenAI.
ويرى محللو Nomura أن مرحلة “التمويل الذاتي المريح” تقترب من نهايتها، محذرين من أن تفاؤل الأسواق قد يتحول سريعًا إلى شكوك إذا زادت الديون بشكل مفرط.
خلاصة
الذكاء الاصطناعي أصبح المحرّك الرئيس لأسواق المال الأمريكية، لكنه جعلها أيضًا رهينةً لمجموعة ضيقة من الشركات العملاقة.
الطفرة الحالية قد تستمر، لكنها تُبنى على توقعات عالية الخطورة بأن هذه الشركات ستواصل توليد أرباح غير مسبوقة لعقود مقبلة — وهي فرضية قد لا تصمد طويلاً إذا تبدّل المزاج الاستثماري العالمي.





