صحف وتقارير

تجميد وشيك للحرب في اوكرانيا: بوادر سلام ام ترسيخ للاحتلال ؟

رهان أميركا على الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الاقتصادية

وسط تحركات دبلوماسية محمومة وتصريحات حذرة، بدأت تتشكل ملامح ما قد يكون “تجميدًا” للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت منذ أكثر من ثلاث سنوات. التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك عقب محادثاته مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تزامنت مع أنباء عن استعدادات لعقد قمة مرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وبينما يتحدث بعض المسؤولين عن وقف لإطلاق النار، فإن آخرين يحذرون من “سلام زائف” قد يكرّس المكاسب الروسية. هذا التقرير يحلل المعطيات الراهنة، خلفياتها السياسية، وآفاق هذا التحول المفصلي في الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

 

تحولات في المزاج الدولي تجاه الحرب

 

مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الرابع، بدأت علامات الإرهاق تظهر بوضوح على الحلفاء الغربيين، في ظل استنزاف اقتصادي وعسكري متواصل. الولايات المتحدة التي دعمت كييف بسخاء باتت تميل تدريجيًا نحو الحلول السياسية، خصوصًا مع إدارة ترامب التي تسعى لإحراز نصر دبلوماسي سريع. أما أوروبا، فتعاني من تراجع الدعم الشعبي لاستمرار الحرب، ما يجعلها أكثر استعدادًا لقبول تسوية توقف القتال حتى وإن لم تنهِ الاحتلال الروسي لبعض الأراضي.

 

لقاء ترامب – بوتين: تفاوض أم تنازل؟

 

الحديث عن قمة محتملة بين ترامب وبوتين أثار جدلًا واسعًا، خصوصًا مع تسريبات إعلامية تفيد بأن واشنطن قد توافق ضمنيًا على تجميد خطوط الجبهة الحالية، مما يعني الإبقاء على بعض المكاسب الروسية في منطقتي خيرسون وزابوريجيا. هذا الطرح يثير مخاوف في كييف من أن يتم تجاوزها في المفاوضات، خاصة أن موسكو ترفض حتى الآن إجراء لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي، وتفضل التفاوض مع واشنطن بشكل ثنائي.

 

موقف كييف بين الحذر والتفاؤل

 

الرئيس الأوكراني زيلينسكي عبّر عن “تفاؤل حذر”، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء البولندي، وأبدى استعدادًا لمناقشة وقف إطلاق النار بشروط. إلا أن زيلينسكي كثف في الأيام الأخيرة اتصالاته مع قادة أوروبيين مثل ماكرون ومستشار ألمانيا ميرتس، في محاولة لتشكيل جبهة دعم دولية تضمن عدم تجاوز أوكرانيا في أية تسوية محتملة. وفي الوقت ذاته، تدرك كييف أن الإرادة الغربية بدأت تتغير، وأن استمرار المعارك على حالها لم يعد مضمونًا.

 

الخطوط الحمراء الأوروبية

 

برغم ما يبدو من انفتاح أوروبي على تسوية، إلا أن بعض العواصم الغربية لا تزال ترفض علنًا الاعتراف بأي تغيير قسري في الحدود الأوكرانية. فرنسا وألمانيا تبديان حرصًا على إبقاء أوكرانيا ضمن أجندة الحلف الأطلسي، ولكن دون دعم مباشر للمواقف الأشد تطرفًا في كييف. ويرى مراقبون أن أوروبا مستعدة للقبول بوقف مؤقت للعمليات العسكرية، مقابل حفظ ماء الوجه في العلن، مع ترك ملف الأراضي المحتلة “معلّقًا” إلى أجل غير مسمى.

 

التهديد الضمني من المحكمة الجنائية الدولية

 

إحدى العقد الكبرى في تحديد مكان القمة المحتملة بين ترامب وبوتين، تكمن في عضوية الدول في المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين. في حال عُقد اللقاء في سويسرا أو إيطاليا، فإن السلطات هناك ستكون ملزمة نظريًا بتوقيف بوتين. أما هنغاريا، التي أعلنت نيتها الانسحاب من المحكمة، أو الإمارات التي لا تخضع لهذا الالتزام، فقد تكون خيارات مفضلة لموسكو. هذه التفاصيل توضح مدى تعقيد الملف حتى على المستوى اللوجستي.

 

تجميد لا يعني سلامًا دائمًا

 

المقترح المطروح بحسب تقارير غربية، لا يشمل انسحابًا روسيًا من الأراضي المحتلة، بل مجرد وقف مؤقت للهجمات، مع قبول أمريكي ضمني بالواقع الجديد على الأرض. هذا “التجميد”، بحسب مراقبين، قد يتحول إلى “نزاع مجمّد” شبيه بما حصل في جورجيا أو ترانسنيستريا، ما يعني بقاء التهديد قائمًا دون حل جذري. وبالنسبة لكييف، فإن هذا السيناريو يعني فقدان أراضٍ سيادية دون اعتراف دولي، ما يصعب أي حل نهائي في المستقبل.

 

تضارب في البيت الأبيض

 

البيت الأبيض نفسه يبدو منقسمًا بين تيارات متباينة. مستشار الأمن القومي ماركو روبيو يلمّح إلى ضرورة التمهل في عقد القمة، بينما يضغط المقرب من ترامب، ستيف ويتكوف، لإتمام اللقاء في أسرع وقت ممكن. هذه الانقسامات تعكس التباين العميق داخل إدارة ترامب حول دور أمريكا في الحرب الأوكرانية، بين من يريد إنهاء النزاع بسرعة ومن يخشى أن يؤدي الاستعجال إلى تفريط سياسي أو أخلاقي.

 

مخاوف من تنازلات أمريكية مبكرة

 

إذا ما أصر ترامب على لقاء بوتين قبل وضع إطار واضح للتفاوض، فإن ذلك قد يرسل إشارة خاطئة للحلفاء الأوروبيين ولأوكرانيا بأن واشنطن مستعدة لعقد صفقة ثنائية بعيدًا عن التنسيق مع شركائها. هذا من شأنه أن يضعف الجبهة الغربية، ويمنح موسكو تفوقًا دبلوماسيًا دون أن تقدم أي تنازل حقيقي. حتى داخل الكونغرس الأمريكي، بدأت أصوات تعلو تحذر من مغبة تقديم تنازلات مجانية لبوتين مقابل وقف مؤقت للقتال.

 

موسكو تراوغ وتتمسك بالمكاسب

 

من جانبها، تبدي موسكو مرونة ظاهرية تجاه فكرة اللقاء، لكنها تشترط “تهيئة الظروف المناسبة” للقاء بوتين بزيلينسكي. في الواقع، الكرملين يرفض حتى الآن الفكرة من أساسها، ويركز على مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وهو ما يثير قلق كييف. الكرملين يدرك أن إضفاء طابع رسمي على مكاسبها الميدانية تحت غطاء “تجميد” سيكون نصرًا استراتيجيًا بدون حرب شاملة مع الغرب.

 

المهلة الأمريكية لبوتين: ابتزاز أم تصعيد؟

 

ترامب كان قد أعطى بوتين مهلة تنتهي هذا الأسبوع للموافقة على وقف إطلاق النار، مهددًا بعقوبات ثانوية في حال الرفض. لكنه لم يوضح ماهية هذه العقوبات. في المقابل، فرضت واشنطن هذا الأسبوع ضريبة إضافية على الهند بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي، في خطوة رأى فيها البعض رسالة ضمنية لموسكو بأنها ستُعاقَب عبر حلفائها الاقتصاديين. ومع ذلك، يبدو أن ترامب لا يريد خوض مواجهة مباشرة، بل يلوّح بالعصا دون استخدامها.

اقرا ايضا

ثورة علي القضبان: قطارات ماجليف الصينيه تقترب من حل مشكله هدير الانفاق الصادمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى