اقتصاد الغاز الروسي لن يتعافي أبدا من غزو اوكرانيا: الآمال في إنقاذ صيني تتلاشى
هل يمكن لروسيا إنقاذ اقتصادها من خلال الصين؟

حينما قررت موسكو في عام 2022 قطع أغلب صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، ظنت أنها وجهت ضربة استراتيجية لأوروبا وربحت الجولة. ارتفعت الأسعار العالمية بشكل جنوني، وبدأت روسيا تجني أرباحًا مضاعفة رغم انخفاض الكميات المصدّرة. في المقابل، استعدت أوروبا لأزمة طاقة كبرى، مدفوعة بخوف من التضخم والانقطاعات. لكن بعد عامين، تغيّر المشهد تمامًا.
بفعل شتاء معتدل وتدفقات قياسية من الغاز الطبيعي المسال (LNG) الأمريكي، أصبحت خزانات الغاز الأوروبية ممتلئة أكثر من أي وقت مضى. أما “غازبروم”، عملاق الطاقة الروسي، فأصبح عاجزًا عن تحقيق أي أرباح.
اختناق في المسارات
كانت روسيا تعتمد بشكل شبه كامل على أوروبا لتصدير غازها، حيث باعت 180 مليار متر مكعب (أي 80% من صادراتها) لدول الاتحاد الأوروبي في 2021. لكن بعد الحرب، فشلت موسكو في إعادة توجيه تلك الكميات شرقًا أو جنوبًا. فهي لا تمتلك بنية تحتية بديلة مثل “نورد ستريم” لربطها بدول جديدة، ولا مصانع تبريد قادرة على إنتاج الغاز المسال، ولا السفن المتخصصة لنقله.
في السابق، لم تكن تلك المعوقات تثير القلق كثيرًا، إذ لم يكن الغاز يمثل سوى 20% من دخل روسيا من صادرات الطاقة. أما الآن، ومع تعثر الحرب وارتفاع كلفة الإنفاق العسكري، باتت موسكو في حاجة ماسة لأي مصدر دخل.
حلم صيني… بتكلفة عالية
أعادت موسكو تنشيط خط “قوة سيبيريا” الذي يربط حقول الغاز في شرق روسيا بالصين. ومن المتوقع أن ترتفع الصادرات عبره من 10 إلى 38 مليار متر مكعب بحلول 2025. لكن الرهان الأكبر يبقى على مشروع “قوة سيبيريا 2″، الذي يفترض أن ينقل 50 مليار متر مكعب سنويًا من غرب روسيا إلى الصين بحلول 2029.
المشكلة أن بكين مترددة. فهي ترفض الاعتماد على مصدر واحد للطاقة، والمفاوضات مع روسيا حول الأسعار والتمويل متعثرة. وحتى إذا تم بناء الخط، فإن الصين قد تستخدمه ورقة ضغط، خاصة مع دخول إمدادات ضخمة من الغاز المسال الأمريكي والقطري إلى السوق بحلول 2026، ما يمنحها أفضلية تفاوضية ساحقة.
بحسب تقديرات وزارة الاقتصاد الروسية، فإن سعر الغاز الذي ستبيعه موسكو للصين في 2027 سيبلغ 257 دولارًا لكل ألف متر مكعب، مقابل 320 دولارًا في عقودها الأوروبية المتبقية.
الغاز المسال… خيار واعد لكنه محفوف بالعقبات
البديل الثاني لروسيا هو تعزيز صادرات الغاز المسال. ويبدو هذا الخيار أكثر مرونة، إذ يمكن شحن الغاز لأي مكان. روسيا تملك ميزة نسبية في التكلفة، وتطمح للوصول إلى تصدير 100 مليون طن من الغاز المسال سنويًا بحلول 2030، ما يعادل 138 مليار متر مكعب.
لكن هناك عوائق ضخمة: العقوبات الغربية تحظر على موسكو استيراد تكنولوجيا التبريد والمكونات الحيوية لبناء المصانع. مستثمرون يابانيون انسحبوا من مشروع “آركتيك LNG2″، وهو المشروع الرائد لروسيا في هذا المجال، بينما طلب الصينيون إعفاءات أمريكية لم تُمنح. في المقابل، تحاول الحكومة إنقاذ الموقف بضخ تمويلات هائلة في شركة “نوفاتيك” وتطوير تكنولوجيا محلية.
النتيجة؟ المشروع توقف إنتاجه، والتقديرات تشير إلى أن إنتاج روسيا من الغاز المسال لن يتجاوز 40 مليون طن سنويًا بحلول 2035، أي أقل بـ100 مليون من طموحات الكرملين.
مستقبل غامض… وسوق تتغير
حتى لو تمكنت روسيا من زيادة إنتاجها، فإن العثور على مشترين سيكون تحديًا. من المرجح أن تضطر لبيع الغاز لدول فقيرة بعقود مخفضة. وفي ظل تسارع التحول نحو الطاقة النظيفة، فإن الطلب على الغاز سيبلغ ذروته خلال عقدين – إذا لم ينخفض قبل ذلك.
ورغم أن هذه التحولات لا توقف آلة الحرب الروسية، فإنها توجه ضربة مؤلمة لطموحات موسكو طويلة الأمد كمصدر طاقة عالمي.
الخلاصة:
الحرب في أوكرانيا لم تدمّر فقط العلاقات السياسية لروسيا مع الغرب، بل أطاحت أيضًا بأحد أعمدة اقتصادها: تصدير الغاز. الآمال المعلقة على الصين تبدو واهية، ومشاريع الغاز المسال تواجه حائطًا من العقوبات التقنية. وبينما تتحول أوروبا والعالم نحو مصادر أنظف، تبدو روسيا عالقة في الماضي، تقاتل لإنقاذ ما تبقى من “إمبراطوريتها الغازية”.