النفط الروسي يعود إلى الواجهة: هل تُنقذ بلدة شفيدت من الانهيار؟
شفيدت تواجه الانهيار وسط دعوات لاستئناف واردات النفط الروسي

في قلب ألمانيا الشرقية، تُكافح بلدة شفيدت للحفاظ على نبضها الاقتصادي بعد أن توقفت إمدادات النفط الروسي بسبب العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
مع اعتماد اقتصاد المدينة بشكل شبه كامل على مصفاة “PCK”، التي كانت تتلقى خامها من روسيا عبر خط “دروجبا”، باتت شفيدت تواجه أزمة وجودية تهدد آلاف الوظائف ومصير المدينة ذاته.
اقرا ايضا:
تصعيد عسكري خطير بين روسيا وأوكرانيا: طائرات مدمرة وردّ صاروخي قاتل
رغم أن المصفاة لا تزال تعمل بقدرة 80% باستخدام خام قادم من كازاخستان وبولندا وميناء روستوك الألماني، فإن التكاليف المرتفعة والإنتاج المحدود جعلا استمراريتها موضع شك.
يتجدد السؤال بقوة: هل العودة إلى النفط الروسي هي الحل الوحيد لإنقاذ المدينة؟
مدينة على حافة الانهيار الاقتصادي
منذ أكثر من ستة عقود، تشكلت هوية شفيدت حول مصفاة “PCK”، التي توفر وظائف لحوالي 20% من سكان المدينة البالغ عددهم 30 ألف نسمة.
مع تقلص الأرباح وزيادة التكلفة التشغيلية، أصبح مستقبل المصفاة مهددًا. ويشعر السكان بأنهم يُدفعون ثمن عقوبات سياسية تتجاهل واقعهم المعيشي.
الشرق الألماني: أزمة هوية قبل أن تكون أزمة طاقة
رئيسة بلدية شفيدت، آنكاترين هوبي، التي عملت سابقًا داخل المصفاة، تصف الموقف بـ”المؤلم نفسيًا ومجتمعيًا”، فهي، مثل كثيرين في شرق ألمانيا، تحتفظ بعلاقة وجدانية وتاريخية مع روسيا.
ورغم رفضها لغزو أوكرانيا، فإنها ترى أن الحرب لا يجب أن تقطع جذورًا ثقافية واقتصادية عمرها عقود.
رغم إعلان ألمانيا تحقيق “الاستقلال” من النفط الروسي، تتزايد المطالب داخل الحكومة الفيدرالية ومجالس محلية بمراجعة هذا التوجه، خاصة إذا توقفت الحرب، حتى بعض نواب الحزب الديمقراطي المسيحي لا يُخفون رغبتهم في إعادة تشغيل خطوط “نورد ستريم” في حال سمحت الظروف السياسية بذلك.
ضغط صناعي متزايد: “السلام يعني الطاقة”
شركات طاقة أوروبية، خاصة فرنسية، تضغط لتفعيل سيناريو “ما بعد الحرب”، حيث يعود الغاز والنفط الروسيان إلى الأسواق الأوروبية.
يؤكد أحد تجار الطاقة أن “السلام، من الناحية العملية، يعني عودة فورية للطاقة الرخيصة من روسيا”، خاصة بعد تضاعف الأسعار مقارنة بما قبل عام 2022.
عراقيل قانونية… لكنها ليست مستحيلة
ورغم أن الحكومة الألمانية تدير المصفاة حاليًا تحت وصاية مؤقتة، بعد تجميد حصة شركة روسنفت الروسية، إلا أن الخبراء القانونيين يرون أن العودة إلى الإمدادات الروسية لا تحتاج أكثر من توافق سياسي بين برلين وبروكسل ووارسو، أما من الناحية القانونية، فالإجراءات تُوصف بأنها “شكلية وقابلة للتجاوز”.
انقسام أوروبي آخذ في التوسع
تصر بروكسل على التخلص التام من الطاقة الروسية بحلول عام 2027، تتمسك دول مثل هنغاريا والنمسا وسلوفاكيا بحقها في هامش من المرونة. وترى هذه الدول أن أمن الطاقة لا يجب أن يُختزل في أجندات سياسية قد لا تتماشى مع واقعها الاقتصادي.
رغم تعهد الحكومة الألمانية بتقديم 400 مليون يورو لتحويل المصفاة إلى مصادر طاقة غير روسية، فإن التمويل لم يصل حتى الآن، بسبب تعقيدات بيروقراطية في المفوضية الأوروبية.
هذا التأخير يُفاقم المخاوف داخل شفيدت، ويدفع بعض المسؤولين للتفكير جديًا في العودة إلى موسكو كمورد مضمون ومنخفض التكلفة.
ترامب يدخل المشهد… واحتمالات صفقة دولية
عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض غيّرت المزاج العام في أوروبا، فالرئيس الأمريكي السابق، المعروف بتقربه من بوتين، لمّح إلى إمكانية رفع العقوبات عن روسيا بمجرد نهاية الحرب.
وهناك تقارير عن اهتمام مستثمرين أمريكيين بشراء حصة روسنفت في مصفاة شفيدت، مما قد يمهّد لتحالف دولي جديد بين موسكو وواشنطن.
في بروكسل، تسود حالة من القلق من أن أي تراجع ألماني عن الموقف الحالي قد يُشجّع دولًا أخرى، مثل بلغاريا أو التشيك، على اتباع النهج ذاته، وهو ما قد يقوض استراتيجية الاتحاد الأوروبي لفك الارتباط التدريجي عن روسيا.
أزمة شفيدت تفتح جرح الانقسام الأوروبي
ما يحدث في شفيدت ليس مجرد أزمة محلية أو اقتصادية، بل اختبار حقيقي لوحدة القرار الأوروبي. بين الاعتبارات الأخلاقية والمصالح الاقتصادية، تتكشف هشاشة الموقف الأوروبي الموحد، ويبدو أن خيار العودة إلى النفط الروسي، رغم تعقيداته السياسية، قد يفرض نفسه إذا ما فُتح باب السلام من واشنطن أو موسكو.
اقرا ايضا:
بولندا تُسرّع تسليحها الفضائي لمواجهة روسيا: نحو معركة في المدار؟