عربي وعالمي

ترامب وكأس العالم 2026: استثناء رياضي في ظل شعارات قومية.

من شعارات "أمريكا أولاً" إلى استقبال جماهير العالم... كيف تكشف كرة القدم عن الوجه البراغماتي لإدارة ترامب؟

رغم ما اشتهر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سياسات متشددة في ملفات الهجرة والعلاقات الدولية، يبدو أن ملف استضافة كأس العالم 2026 يجبره على التراجع التكتيكي عن بعض مواقفه المتطرفة. فبينما كان يشيّد الجدران ويمنع دخول مواطني دول بعينها، يُبرم صفقات صامتة تضمن تسهيلات واسعة من أجل البطولة الأهم عالمياً.

 

أمن مشدد… وطمأنة غير معلنة

بدأت ملامح التناقض بالظهور حين أعلنت هيئة الجمارك وحماية الحدود عبر فيسبوك عن استعداد أمني واسع لمباريات كأس العالم للأندية. هذا الإعلان أثار مخاوف منظمي الحدث، ليأتي الرد هادئاً ومطمئناً من إدارة ترامب: “الإجراءات روتينية”، قيل، ثم حُذف المنشور. في العلن، حديث عن الأمن. في الكواليس، سعي لإنجاح البطولة.

 

استثناء رياضي وسط سياسات الحظر

في تناقض صارخ مع قرارات الحظر التي طالت 19 دولة، وقّع ترامب استثناءات تتيح دخول اللاعبين والمدربين والعاملين المرتبطين بكأس العالم، بل وحتى الألعاب الأولمبية. خطوة تُظهر أن الاعتبارات السياسية الصارمة يمكن أن تتراجع عندما تكون “الكرة” هي الرهان.

 

من عداء المؤسسات إلى ترحيب بالفيفا

ترامب الذي سخر من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، خصّ رئيس الفيفا جياني إنفانتينو بمعاملة تفضيلية: لقاءات علنية، صور انتخابية مشتركة، وحضور بارز في مناسبات رسمية. التناقض صارخ لكنه يخدم هدفاً واحداً: تسويق البطولة ودعم ملف الاستضافة.

 

تنسيق خفي مع مدن ديمقراطية

رغم العداء السياسي العلني مع إدارات المدن الكبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس وفيلادلفيا، التي يديرها ديمقراطيون، تتعاون إدارة ترامب خلف الكواليس معهم بشكل يومي لتأمين الحدث رياضياً ولوجستياً. سياسة الانفصام بين الخطاب الإعلامي والممارسة العملية تتكرر.

 

رسالة سرية… تقلب الموازين

في خضم معركة قضائية حول حظر السفر، وقّع ترامب رسالة رسمية للفيفا تؤكد أن جميع الرياضيين والمشجعين سيُسمح لهم بدخول أمريكا “دون تمييز”. الرسالة، التي نسّقها صهره جاريد كوشنر، لعبت دوراً حاسماً في فوز الملف الثلاثي (أمريكا–كندا–المكسيك) على منافسه المغربي.

 

لجنة خاصة لكأس العالم… بتوقيع ترامب

استشعاراً لحجم الحدث وتعقيداته، شكّل ترامب لجنة خاصة تُشرف على الاستعدادات لكأس العالم، تضم شخصيات بارزة مثل وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم ووزير الخارجية ماركو روبيو. اللجنة مسؤولة عن معالجة تأشيرات 6.5 مليون زائر محتمل، في توازن دقيق بين السياسة والضيافة.

 

الرياضة في خدمة الصورة السياسية

بالنسبة لترامب، الرياضة ليست مجرد هواية. ظهوره المتكرر في مباريات UFC وسوبر بول، واستثماره السياسي في كأس العالم، يؤكد أنه يرى في الرياضة أداة لبناء صورته، وكسب قاعدة جماهيرية شابة ومتنوعة عرقياً، خصوصاً من اللاتينيين والأفارقة الأمريكيين.

 

اختبار حقيقي قادم: بين الجماهير والناخبين

مع اقتراب 2026، يزداد الضغط على ترامب للتوفيق بين خطابه القومي ومستلزمات استضافة حدث دولي بهذا الحجم. فهل سيسمح بدخول جماهير من دول تعيش توترات مع واشنطن، مثل إيران أو فنزويلا؟ وماذا عن جمهور من دول أفريقية مدرجة في قوائم الحظر؟ التناقض يتّسع، والإجابات لم تأت بعد.

 

الخلاصة:

قد تبدو كأس العالم مناسبة رياضية بحتة، لكنها في عهد ترامب تحولت إلى مرآة تعكس تناقضات سياسات الهجرة والعلاقات الدولية. من وعود بالجدران إلى وعود بالتأشيرات، ومن هجمات على المدن الديمقراطية إلى تنسيق محكم معها… كرة القدم، هذه المرة، ترسم خطوط السياسة الأمريكية من جديد.

اقرأ ايضَا:

فيضانات تكساس 2025: مأساة إنسانية تكشف فشل نظام الإنذار والبنية التحتية في عهد ترامب

سولين غزيم

سولين غزيم صحفية سورية ، تتميز بقلمها الجريء واهتمامها العميق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. تعمل على تسليط الضوء على هموم الناس بصوت صادق، وتنقل الحقيقة من قلب الحدث بموضوعية وشغف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى