عربي وعالمي

بريطانيا وفرنسا تتجهان لتكتيكات أكثر جرأة لوقف عبور القوارب عبر المانش

بريطانيا وفرنسا تتجهان لتكتيكات أكثر جرأة

في ظل تصاعد الضغوط السياسية على حكومة كير ستارمر لوقف تدفق طالبي اللجوء عبر بحر المانش، تبرز ملامح تحول جذري في التعاون الأمني بين بريطانيا وفرنسا. فبعد سنوات من الاكتفاء بالرقابة على السواحل، تتبنى باريس تكتيكات أكثر مباشرة لمنع القوارب حتى بعد دخولها المياه. وتأتي هذه التطورات قبيل زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لندن، من المرجح أن تشهد الإعلان عن إجراءات مشتركة أكثر صرامة. لكن هذه الخطوات، رغم جرأتها، تثير تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مستقبل حماية اللاجئين في أوروبا.

باريس تغير قواعد اللعبة وتخرق القارب بدل أن تراقبه

لأول مرة، نفذت الشرطة الفرنسية عملية تدخل مباشر ضد قارب يحمل طالبي لجوء في المياه الضحلة قرب مدينة بولونيه، حيث استخدم الضباط سكاكين لثقب القارب وإيقافه. هذه الخطوة تمثل خرقًا واضحًا للسياسات السابقة التي كانت تتجنب التصدي للقوارب بعد دخولها البحر، وتعكس نتائج مراجعة قانونية أجرتها الحكومة الفرنسية حول مدى شرعية مثل هذه التدخلات.

كوبر: التعاون مع فرنسا أصبح أكثر فاعلية وضرورة

رحبت وزيرة الداخلية البريطانية يفيت كوبر بهذه الإجراءات الجديدة، مؤكدة أن “العمل مع الفرنسيين أصبح حيويًا لوقف القوارب من الأصل”. وأشارت إلى أن لندن وباريس عملتا خلال الشهور الماضية على تطوير آليات جديدة لتقويض شبكات تهريب البشر، موضحة أن الإجراءات الفرنسية الجديدة “مهمة ومؤثرة”.

المحادثات لا تزال مستمرة رغم اقتراب القمة

رغم اقتراب زيارة ماكرون الرسمية المقررة يوم الثلاثاء، لا تزال المشاورات الفنية والقانونية مستمرة بين الجانبين لتحديد نطاق الإجراءات التي يمكن تنفيذها فورًا. ويُنتظر أن تشمل القمة الثنائية مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، المقررة الخميس، إعلانًا مشتركًا بشأن مكافحة العبور غير الشرعي، وإن لم يتأكد بعد ما إذا كانت جميع الخطط ستكون جاهزة للتنفيذ.

خطط “الواحد مقابل واحد”: محاولة لضبط حركة اللجوء

من أبرز المقترحات قيد الدراسة ما يُعرف بخطة “واحد مقابل واحد”، والتي تقضي بإعادة كل طالب لجوء يصل إلى بريطانيا عبر القوارب إلى فرنسا، مقابل قبول بريطانيا بطالب لجوء آخر من فرنسا تتوفر فيه شروط إنسانية واضحة، مثل الروابط العائلية. تهدف هذه الخطة إلى تقليص الحافز أمام المهاجرين لركوب البحر، من خلال تأكيد أن الوصول إلى بريطانيا لا يضمن البقاء فيها.

تكتيكات بحرية جديدة قد تشمل “شبكات قاطعة للمراوح

في إطار التفكير خارج الصندوق، تُناقش حاليًا أفكار لاستخدام دراجات مائية (jetskis) لنشر شبكات في المياه تعرقل مراوح القوارب الصغيرة، بهدف إيقافها قبل الوصول إلى المياه البريطانية. هذه الاستراتيجية تثير جدلًا واسعًا، إذ أنها تتطلب تنسيقًا دقيقًا لتجنب الحوادث أو إغراق القوارب.

زيارة ماكرون: بين الرمزية الملكية والملفات الأمنية

من المقرر أن تبدأ زيارة الرئيس الفرنسي بفعاليات رمزية تشمل إقامة في قلعة وندسور، لكنها سرعان ما تتحول إلى محطة حاسمة لملف الهجرة، الذي يشكل أولوية لكلا الجانبين. وقد تحدث ماكرون وستارمر هاتفيًا السبت، في إشارة إلى التمهيد السياسي لإعلان تفاهمات استراتيجية جديدة خلال القمة.

أرقام المهاجرين تشعل الضغوط على حكومة حزب العمال

رغم تعهدات الحكومة البريطانية بـ”سحق” شبكات التهريب، تُظهر الأرقام الرسمية أن أكثر من 20 ألف شخص عبروا المانش خلال النصف الأول من عام 2025، بزيادة قدرها 48% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. هذه الطفرة أضعفت موقف حزب العمال الذي يواجه انتقادات من اليمين واليسار على حد سواء.

الاعتبارات القانونية ما زالت تؤخر الحسم

رغم الطموحات الكبيرة، تشير مصادر بريطانية إلى أن هناك “عناصر كثيرة لم تُحسم بعد”، ما يجعل من الصعب التأكيد على توقيع أي اتفاق رسمي خلال زيارة ماكرون. وقال أحد المسؤولين البريطانيين: “نرغب في توقيعه خلال الزيارة، لكن الأهم من ذلك أن يكون قابلاً للتنفيذ ويحقق النتائج المطلوبة”.

بين الردع والإنسانية: معضلة أوروبا المستمرة

بينما تسعى لندن وباريس لتقليل أعداد الواصلين، تظل التحديات الأخلاقية حاضرة بقوة. هل يؤدي تمزيق القوارب أو إعادتها قسرًا إلى الحد من المآسي الإنسانية، أم يعمّق المخاطر على حياة المهاجرين؟ وهل يمكن التوفيق بين أمن الحدود والحق في اللجوء؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة، فيما تتحول القناة إلى مرآة تعكس صراع القيم الأوروبي في عصر اللايقين.

اقرأ ايضا

محاكمة “ديدي”: دليل جديد على عجز النظام القضائي عن التعامل مع العنف الأسري

 

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى