الاقتصاد

ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على البرازيل: هل تقترب واشنطن وبرازيليا من أزمة دبلوماسية مفتوحة؟

أزمة وشيكة بين واشنطن وبرازيليا بعد تهديدات ترامب التجارية

في تصعيد مفاجئ، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية ضخمة بنسبة 50% على واردات البرازيل ابتداءً من الأول من أغسطس المقبل، متهمًا حكومة لولا دا سيلفا بشن هجوم على حرية التعبير والديمقراطية في بلاده.

 

وفي منشور عبر منصته “تروث سوشيال”، وصف ترامب الإجراءات القضائية ضد الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو بأنها “حملة اضطهاد سياسي” و”مطاردة ساحرات يجب أن تنتهي فورًا”.

 

هجوم مباشر ضد البرازيل… و”دفاع غير مباشر” عن بولسونارو

وصف ترامب الرئيس السابق بولسونارو، الذي يواجه اتهامات بالتخطيط لانقلاب في 2022، بأنه “زعيم يحظى باحترام عالمي”، وهاجم القضاء البرازيلي، متهمًا المحكمة العليا بإصدار “مئات من أوامر الرقابة السرية وغير القانونية” ضد منصات التواصل الأمريكية.

 

وأشار إلى أن هذه الخطوة تأتي “جزئيًا” ردًا على ما وصفه بـ”الهجمات الخبيثة على الانتخابات الحرة وحرية التعبير الأمريكية”.

 

ردود فعل فورية: الأسواق ترتج وتراجع في العملة والأسهم

لم تمر التهديدات دون أثر على الأسواق البرازيلية؛ إذ انخفض الريال بنسبة 2.3% أمام الدولار، فيما هبط مؤشر بورصة بوفيسبا بنفس النسبة بحلول مساء الأربعاء في ساو باولو، في إشارة إلى قلق المستثمرين من تصعيد محتمل بين أكبر اقتصادين في الأمريكتين.

 

موجة هجوم جمركي دولي يقودها ترامب

رسالة ترامب للبرازيل لم تكن الوحيدة؛ فقد سبقتها تهديدات بفرض رسوم بين 25 و30% على عدة دول، بينها الجزائر والعراق والفلبين. لكن الرسالة الموجهة للبرازيل كانت الأشد نبرة والأعلى في الرسوم المقترحة، مما يكشف عن استهداف سياسي مباشر.

 

فبينما حصلت دول أخرى على صيغة دبلوماسية تشير إلى “العلاقة التجارية القوية”، جاءت لهجة الرسالة إلى البرازيل عدائية وصادمة، ورفعت سقف العقوبات الجمركية إلى أعلى مستوى حتى الآن.

 

البرازيل ترد: القرار غير عادل وسيضر بسلاسل التوريد الأمريكية

نائب الرئيس البرازيلي ووزير التجارة، جيرالدو ألكمين، وصف تهديد ترامب بأنه “غير عادل”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لديها فائض تجاري بقيمة 7.4 مليار دولار مع البرازيل في 2024.

 

وأشار إلى أن فرض الرسوم سيضر الأمريكيين أنفسهم، مستشهدًا بقطاع الصلب كمثال، حيث تشتري البرازيل الفحم الأمريكي لصناعة الصلب نصف المُصنع، ثم تصدّره إلى الولايات المتحدة لاستكمال إنتاجه، ما يعني أن زيادة الرسوم ستعني رفع تكلفة المواد الأولية على الصناعة الأمريكية نفسها.

 

أزمة سياسية تلوح في الأفق بين الديمقراطيتين الأكبر في القارة

يأتي هذا التهديد في وقت يشهد توترًا متزايدًا بين إدارة لولا اليسارية وتحالف اليمين العالمي بقيادة ترامب، لا سيما بعد تدخل واشنطن في الملف القضائي لبولسونارو، واستدعاء البرازيل للسفير الأمريكي المؤقت في برازيليا.

وفي حين تحاول حكومة لولا المضي قدمًا في التحقيقات حول محاولة الانقلاب، يرى معسكر ترامب في الأمر تصفية حسابات سياسية ضد زعيم يميني حليف.

ترامب ضد الـ”بريكس”: عداء معلن للجنوب العالمي

اللافت أن التصعيد ضد البرازيل جاء أيضًا في سياق هجوم ترامب المتواصل على مجموعة بريكس، التي اتهمها قبل أيام بتبني “سياسات مناهضة لأمريكا”، وتوعد بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على دولها، في إطار محاولاته كبح صعود التكتلات الاقتصادية المناوئة للهيمنة الغربية.

 

وردًا على ذلك، دعا لولا في قمة البريكس الأخيرة في ريو دي جانيرو إلى الاستغناء عن الدولار في التجارة الدولية، في موقف أثار حفيظة ترامب ورفاقه.

 

دعم اليمين البرازيلي… واستهداف القضاء

ويبدو أن تهديد ترامب سيُفسر كـ دعم مباشر لمعسكر اليمين المتطرف في البرازيل، خاصة مع تصاعد الانتقادات ضد المحكمة العليا التي تتولى ملفات “الأخبار الكاذبة” و”التحريض على العنف الرقمي”، وهي القضية التي يراها اليمين المحلي حملة تكميم منظمة.

وكان القاضي ألكسندر دي مورايش قد أمر العام الماضي بحظر مؤقت لمنصة “إكس” في البرازيل، بسبب رفضها الامتثال لأوامر بحذف محتوى محرض، وهو ما فجّر مواجهة مباشرة مع إيلون ماسك.

اقرأ أيضاً ماكرون وستارمر يتحدثان عن ترامب والهجرة وأوكرانيا.. لكن “شبح بريكست” يخيم على المأدبة الملكية

هل نحن أمام بداية حرب تجارية جديدة؟

لا شك أن قرار فرض رسوم جمركية بنسبة 50% سيكون له تبعات واسعة النطاق، ليس فقط اقتصاديًا، ولكن دبلوماسيًا أيضًا، وسيعيد إلى الأذهان حقبة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في عهد ترامب الأول.

 

لكن هذه المرة، تدور المواجهة بين بلدين ديمقراطيين في نصف الكرة الغربي، في وقت بالغ الحساسية، عشية الانتخابات الأمريكية، وتحت ضغط داخلي متصاعد في كلا البلدين.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى