الوكالات

تايوان تراهن على “الأسلحة الذكية الرخيصة” لردع الغزو الصيني

افتتح معرض تايبيه للطيران والدفاع (TADTE 2025) أبوابه وسط أجواء توتر متصاعدة مع الصين، ليتحوّل الحدث إلى منصة استراتيجية تعرض فيها تايوان رؤيتها الدفاعية الجديدة. ركّزت العروض على مفهوم المواجهة غير المتماثلة: تطوير ونشر أنظمة منخفضة التكلفة لكنها عالية التأثير، هدفها الأساسي رفع تكلفة أي عدوان محتمل وجعل سيناريو الغزو مكلفاً وبطيئاً وغير مضمون النجاح. بين نماذج صواريخ كروز محلية الصنع وذخائر مراقبة قادرة على العمل لمسافات بعيدة، إلى سفن سطحية غير مأهولة وأنظمة دفاع جوي متقدمة، بدا واضحاً أن تايوان تراهن على المزج بين الابتكار والتكامل مع شركاء خارجيين لتعزيز قدرتها على الصمود فوراً.

 

تكتيك اللاتماثل: أسلحة رخيصة تؤذي القوي

 

تعتمد تايوان استراتيجية واضحة للردع عبر تكتيكات غير متماثلة تهدف إلى خلق تكاليف عالية للمهاجم. بدلاً من الاعتماد الكلي على منصات باهظة الثمن وصيانة معقدة، تركز الخرائط العسكرية على إنتاج منصات بسيطة وسهلة التصنيع والانتشار. تهدف هذه المنصات إلى إبطاء وتفكيك القوة المعتدية عبر ضرب خطوط الإمداد والأهداف الحيوية، واستخدام الأتمتة والذخائر الموجّهة لزيادة الكفاءة. الخيار يعكس فهماً متغيراً لطبيعة الحروب الحديثة، بدلاً من التفوق التقليدي بالحجم. كما يشمل التكتيك ضربات خاطفة من أنظمة قادرة على التشويش وتحديد المواقع، وإدماج قدرات الاستطلاع الآلي لتوجيه الضربات مع تقليل مخاطر الطواقم، بشكلٍ مستمر.

 

صواريخ كروز محلية التكلفة

 

أعلنت عروض المعرض عن مشروع لصواريخ كروز محلية الصنع يسعى لخفض تكلفة الوحدة إلى أقل من ٢٥٠ ألف دولار، ما يسمح بتصنيع مخزونات كبيرة دون الضغط على الميزانية. تركّز الهندسة على مزيج من التوجيه بالقصور الذاتي ونظم الملاحة بالأقمار الصناعية، مع تبسيط المكونات لتسهيل الصيانة والإنتاج السريع. تسهل هذه الاستراتيجية تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف بحرية وبرّية واستهداف البنية التحتية الحيوية، وتمنح القادة خيار الإغراق العددي للعدو عبر إطلاق موجات من الصواريخ لتحييد قدرات الدفاع المعادية. كما يتضمن المشروع تطوير رؤوس حربية متعددة التخصصات ونظم تهديف متقدمة لتغيير مسار الصاروخ أثناء الطيران حسب المعطيات الاستخباراتية.

صاروخ كروز محلي بتكلفة أقل من ٢٥٠ ألف دولار يمكّن ضربات دقيقة وإطلاقات كثيفة

الذخائر المراقبة: تحول القتال إلى منطقة استهداف مكثف

 

قدّمت تايوان ذخائر مراقبة متقدمة مثل Chien Feng IV نتيجة تعاون تقني مع شركة Kratos الأميركية، وتعدّها أداة فعّالة لمهاجمة الأهداف البحرية على مسافات تصل إلى ألف كيلومتر. تتميز هذه الذخائر بالقدرة على البقاء في منطقة التشغيل فترة انتظار طويلة والانتقال لاستهداف الأهداف عند ظهورها، ما يجعلها ملائمة لضرب السفن أو منصات الدعم. بفضل دمج الاستطلاع الحي والتحكم عن بعد يمكن توجيهها بمرونة، ما يمنح القوات إمكانية استغلال المعلومات الاستخبارية الفورية لتنفيذ ضربات دقيقة أو تنفيذ كمائن بحرية مجمعة. وتُعدّ هذه الطرائق جزءاً من تغيير جذري في قواعد الاشتباك البحري فعلياً.

 

قوارب سطحية غير مأهولة: Kuai-Chi بسرعة قصوى

 

أظهرت تايوان قوارب سطحية غير مأهولة من فئة Kuai-Chi قادرة على تجاوز سرعة الأربعين عقدة، مصممة لتنفيذ هجمات على سفن أو إطلاق ذخائر مراقبة من على متنها. تتميز هذه السفن بخفة الوزن والقدرة على المناورة العالية والحد الأدنى من التوقيع الحراري والسرّي، ما يصعّب اكتشافها وتدميرها. يمكن نشر أسراب من هذه القوارب لتشتيت دفاعات العدو أو لشن هجمات متزامنة على نقاط ضعف محددة في تشكيلات السفن، كما تتيح تقليل المخاطر على الطواقم البشرية في العمليات الساحلية والبحرية. وتعمل أنظمة التحكم الآلي والاتصال على تزويدها بقدرات توجيه ذاتي وتعاون شبكي بين الوحدات خلال المهمات.

 

درع السماء: Chiang-Kong لاعتراض التهديدات عالية الارتفاع

 

عرضت تايوان نظام الدفاع الجوي Chiang-Kong المعروف باسم Strong Bow، المصمم لاعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على ارتفاعات تصل إلى سبعين كيلومتراً. يجمع النظام بين رادارات متطورة وقدرات توجيه اصطناعي لتأمين طبقات دفاعية متدرجة تحمي المدن والمواقع العسكرية الاستراتيجية. تعمل هذه الأنظمة كحاجز أمام موجات الصواريخ وتمنح القادة خيارات دفاعية مرنة، سواء لاعتراض تهديد فوري أو لمنح الوقت للتعامل مع تبعات الضربات. تطوير مثل هذه القدرات يشير إلى إدراك تايوان لأهمية الدفاع متعدد الطبقات في مواجهة تهديدات الصواريخ المعاصرة، كما تم التركيز على قابلية التكامل مع أنظمة تحذير مبكر وشبكات مشاركة المعلومات.

 

تعزيز القدرات التقليدية: دبابات وراجمات أميركية وشراكات تقنية

 

لم تقتصر عروض تايوان على الأنظمة غير المأهولة؛ فقد عُرضت دبابات أبرامز الأميركية ومنظومات راجمات HIMARS كجزء من حزم تحديث لتقوية القدرات البرية. إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن صفقات وشراكات مع شركات أميركية وكندية لنقل التكنولوجيا وتعزيز سلاسل التوريد المحلية. تمثل هذه الخطوة مزيجاً من السعي للحفاظ على قوّات تقليدية قادرة على الرد المباشر مع تطوير صناعات محلية تنتج أجزاء وأنظمة دعم، ما يعزز القدرة على الصمود في حالة انقطاع الإمدادات الخارجية أثناء أزمة عسكرية. ويشمل التخطيط أيضاً تدريب وحدات مختلطة تعمل بتنسيق بين الأنظمة الآلية والفرق البشرية لتحسين الفاعلية ميدانياً.

 

ميزانية ودفع نحو الاكتفاء الذاتي

 

أعلنت مصادر عسكرية أن ميزانية الدفاع التايوانية من المتوقع أن تصل إلى ٣.٣٪ من الناتج المحلي في العام المقبل، مع خطة لزيادة الحصة إلى ٥٪ بحلول عام ٢٠٣٠. يهدف هذا التوسع المالي إلى تمويل برامج التصنيع المحلي وتوسيع البحث والتطوير في تقنيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات العسكرية. تهدف مجرد الزيادة في الإنفاق إلى بناء احتياطيات من الذخائر والمنصات الصديقة للقدرات الوطنية، مع تقليل الاعتماد على واردات أسلحة باهظة الثمن ومخاطر انقطاع سلاسل التوريد في أوقات الأزمة. وترتبط الخطط ببرامج صناعية وطنية تهدف لتدريب كوادر هندسية محلية وتعزيز القدرة على الصيانة الذاتية للأسلحة بشكلٍ مستدام.

 

انعكاسات واستنتاجات عملية

 

يعكس معرض تايبيه تحولاً في التفكير الدفاعي لتايوان، نحو اعتماد حلول غير متماثلة ومزيج من القدرات التقليدية والآلية. هذا التوجه يزيد من تعقيد حسابات المهاجم، إذ تسمح الكميات الكبيرة من المنصات منخفضة التكلفة بإرهاق الدفاعات وخلق فرص تكتيكية. نجاح الخطة يعتمد على تصنيع داخلي موثوق، وتكامل تقني مع الحلفاء، وبناء قدرات لوجستية مستقلة. مع استمرار التصعيد الإقليمي، ستظل القدرة الصناعية والمرونة التكتيكية مفتاح الصمود والردع، مما يجعل أي حسابات عدوانية أمام خيار إعادة تقييم الاستراتيجيات وتكاليف العمليات بدرجة أعلى، وهو ما قد يردع بعض السيناريوهات العدوانية أو على الأقل يؤخر تنفيذها لفترة زمنية مهمة.

اقرأ أيضاً

تسلل 3 مقاتلات روسية إلى المجال الجوي الإستوني في حادث “وقح”

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى