كوريا الجنوبية تتحول إلى قوة تصدير عسكري عالمي خلال عقد واحد فقط
من مستورد للسلاح إلى منافس لواشنطن في أكبر أسواق العالم

خلال عقدٍ واحد فقط، تحوّلت كوريا الجنوبية من دولة تعتمد بشكل شبه كلي على شراء الأسلحة الأجنبية إلى قوة تصديرية صاعدة تفرض نفسها في سوق التسليح العالمي. هذا التحول الاستراتيجي لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة لرؤية طويلة المدى، ودعم حكومي مباشر، وشراكات ذكية تستثمر في لحظات التراجع التي يمر بها الموردون التقليديون في الغرب.
كوريا الجنوبية تنافس أمريكا في عقر دارها
في عام 2025، لم تعد سول “تتعلّم” من واشنطن، بل باتت تنافسها في عقر دارها، وتقتنص عقودًا بمليارات الدولارات من أسواق كانت لعقود حكرًا على الصناعات الأمريكية والأوروبية.
عقود بمليارات الدولارات: زحف كوري في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط
من بولندا إلى الهند، ومن الفلبين إلى السعودية، تمرّ موجة تسليح جديدة بلون كوري واضح. كوريا الجنوبية بصدد توقيع صفقة جديدة بقيمة 6.7 مليار دولار لتسليم 180 دبابة K2 لبولندا، تلي صفقة أكبر أُبرمت عام 2022 شملت نحو ألف دبابة و600 مدفع هاوتزر و48 طائرة مقاتلة FA-50. هذه الصفقة وحدها باتت تمثل أكبر حزمة تصدير دفاعي في تاريخ كوريا الجنوبية.
في الفلبين، تعمّقت الشراكة الدفاعية مع توقيع عقد بقيمة 712 مليون دولار لتسليم 12 طائرة FA-50 بحلول 2030، فيما حصلت الهند على دفعة جديدة من مدافع K9 مقابل 254 مليون دولار. حتى السعودية، التي طالما اعتمدت على الأسلحة الأمريكية، أبرمت مع سول عقدًا بقيمة 3.2 مليار دولار للحصول على منظومة دفاع جوي متوسطة المدى من طراز KM-SAM Block II.
من دولة مستوردة إلى قوة صناعية عسكرية مستقلة
نجحت كوريا الجنوبية في الانتقال من دولة تعتمد على الدعم الأمريكي إلى واحدة من أكبر عشر دول مصدرة للسلاح في العالم. قبل عام 2020، لم تتجاوز قيمة صادراتها الدفاعية 3 مليارات دولار سنويًا، لكنها قفزت إلى 7.3 مليار في 2021، ثم وصلت إلى ذروتها في 2022 بـ17.3 مليار دولار.
ورغم تراجع الأرقام قليلًا في 2023 و2024، فإن كوريا تتوقع قفزة جديدة في 2025 لتصل إلى 23 مليار دولار، ما يعزز هدفها الكبير: الاستحواذ على 5% من سوق السلاح العالمي بحلول 2027، لتصبح رابع أكبر مصدر للأسلحة عالميًا.
خطة حكومية محكمة.. كيف تدير سول معركة السلاح كمشروع وطني؟
النجاح الكوري لم يكن عفويًا، بل ثمرة خطة وطنية شاملة. تعتمد كوريا على نموذج تصديري مرن وموجّه للعملاء، يجمع بين نقل التكنولوجيا، وخطوط إنتاج محلية، وتعديلات حسب الطلب، وهو ما جعلها جذابة للدول الطامحة لتطوير صناعاتها الدفاعية المحلية.
في 2023، صدّرت سول أسلحة إلى 12 دولة، مقارنة بأربع فقط قبل بضع سنوات. كما تضاعف عدد أنظمة التسليح المصدّرة من 6 إلى 12.
وفي 2025، أطلقت الحكومة خطة بقيمة ملياري دولار تستهدف دعم 10 قطاعات دفاعية واعدة، بينها الذكاء الاصطناعي والطيران والمواد المتقدمة. كما قدمت حوافز سخية للمصنعين الصغار والمتوسطين، وسمحت بتمديد ساعات العمل في المصانع إلى 64 ساعة أسبوعيًا لتلبية الطلبات.
اقرا ايضا:
فرنسا تهدد مستقبل المقاتلة الأوروبية المشتركة بطموحاتها الانفرادية والخلافات تتصاعد
أربعة عمالقة يقودون القفزة الكورية نحو الأسواق العالمية
في قلب الطفرة الكورية تقف شركات مثل Hanwha Aerospace وKAI وHyundai Rotem وLIG Nex1، التي تُتوقع أن تصل طلباتها المتراكمة إلى 72 مليار دولار هذا العام.
هذه الشركات تدير خطوط إنتاج عالية الكفاءة مخصصة للاحتياج المحلي، لكنها مُصممة أيضًا لتلبية الطلبات الدولية بسرعة كبيرة، ما يمنحها أفضلية واضحة في الأسواق التي تحتاج إلى تسليم عاجل للأسلحة.
منتجات استراتيجية تغزو الأسواق.. من مدافع الهند إلى صواريخ الإمارات
قائمة صادرات كوريا الجنوبية لم تعد مجرد مقاتلات أو دبابات، بل تشمل أنظمة متكاملة تغطي كل مجالات الدفاع:
الطائرة التدريبية T-50: تم تصديرها لإندونيسيا (4 مليارات دولار) وتايلاند (110 ملايين دولار).
مدفع K9 Thunder: يستخدم الآن في الهند وتركيا وفنلندا والنرويج وبولندا ومصر وأستراليا.
صواريخ Cheongung II: تم بيعها للإمارات مقابل 3.5 مليار دولار، في صفقة رمزية تعكس ثقة العالم في التكنولوجيا الكورية.
لماذا يختار العالم السلاح الكوري؟
الإجابة بثلاث كلمات: “أرخص، أفضل، أسرع”. كوريا الجنوبية تقدم مزيجًا فريدًا من السعر المناسب، والجودة العالية، وسرعة الإنتاج، وهو ما يجعلها تتفوق على منافسين تقليديين مثل ألمانيا وفرنسا في العديد من الأسواق.
كما أن اعتمادها على التوافق مع أنظمة الناتو، وتجاربها الطويلة في التعامل مع تهديدات كوريا الشمالية، يجعل معداتها موثوقة ومجربة.

تأثير الحرب الأوكرانية.. نافذة ذهبية لكوريا
اندلاع الحرب في أوكرانيا غيّر خريطة التسليح في أوروبا. الموردون التقليديون مثل ألمانيا أصبحوا مثقلين بالطلبات ومحدودي الإنتاج. هنا وجدت كوريا الجنوبية فرصتها، فاقتنصت عقودًا ضخمة مع بولندا، ثم فنلندا والنرويج وإستونيا.
باتت دباباتها ومدافعها تنافس الألمانية والبريطانية، بل وتحل محلها أحيانًا، بفضل ما تُعرف به من مرونة في التسليم وعدم وجود عوائق سياسية مثل قيود حقوق الإنسان التي تعطل صادرات بعض الدول الأوروبية.
كوريا الجديدة.. “قوة ناعمة” بأسلحة ثقيلة
ما بدأ كخطة دفاعية لمواجهة التهديدات الإقليمية، تحول إلى ركيزة من ركائز الاقتصاد الكوري. فاليوم، تقف الصناعات الدفاعية إلى جانب الرقائق الإلكترونية والسيارات والبطاريات الكهربائية كأحد محركات كوريا في السوق العالمية.
كوريا الجنوبية لم تعد “الابن المدلل” للولايات المتحدة في آسيا، بل قوة صاعدة بهدوء، تغير موازين الصن
اعات الدفاعية من شرق أوروبا إلى الخليج العربي، ومن جنوب شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية.