عربي وعالمي

هجوم مسلح على محكمه في إيران يكشف هشاشة الأمن في جنوب شرق البلاد

هجوم مسلح على محكمة في إيران يودي بحياة 9 أشخاص

في تصعيد خطير لأعمال العنف والانفصالية المسلحة في إيران، شهدت محافظة سيستان وبلوشستان، جنوب شرق البلاد، هجومًا داميًا استهدف محكمة حكومية، وأودى بحياة تسعة أشخاص بينهم امرأة وطفل، وأصاب 22 آخرين بجروح، بعضهم في حالات حرجة. وقد تبنت جماعة “جيش العدل” الانفصالية الهجوم الذي نُفذ باستخدام الأسلحة النارية وقذائف الهاون والقنابل اليدوية، فيما دارت اشتباكات استمرت ثلاث ساعات مع قوات الأمن الإيرانية. يمثل هذا الهجوم حلقة جديدة في سلسلة من العمليات المسلحة التي تستهدف هيبة الدولة الإيرانية في منطقة لطالما اشتكت من التهميش والإقصاء، ويكشف كذلك عن مدى تعقيد الملف البلوشي وتداخله مع أزمات إقليمية ودولية.

 

تصاعد التمرد البلوشي.. خلفيات تاريخية ومعاناة مستمرة

محافظة سيستان وبلوشستان ليست مجرد منطقة مضطربة على الهامش الإيراني، بل تمثل بؤرة تمرد مستمر منذ أكثر من عقدين. تقطنها أغلبية من المسلمين السنة من قومية البلوش، وهي فئة طالما شعرت بالتهميش في ظل نظام يهيمن عليه الشيعة، سواء في التمثيل السياسي أو التنمية الاقتصادية. وتتهم هذه الجماعات السلطات الإيرانية بتجاهل مطالبها الأساسية، ما وفر بيئة خصبة لتنامي الحركات الانفصالية والجهادية، وعلى رأسها “جيش العدل”، الذي يزعم الدفاع عن حقوق البلوش من خلال العمل المسلح. ومع فشل الحلول الأمنية وحدها في تهدئة الوضع، تظل جذور المشكلة السياسية والاجتماعية حاضرة بقوة في مشهد التمرد.

 

تفاصيل الهجوم.. خطة محكمة وضحايا مدنيون

الهجوم الأخير كان مدروسًا بعناية، حيث بدأ باقتحام المحكمة وإطلاق نار كثيف على الموظفين والمراجعين، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص في الداخل. تلا ذلك قصف بالقذائف والهاون، ما حول محيط المحكمة إلى ساحة معركة استمرت ثلاث ساعات كاملة بين المهاجمين وقوات الأمن. وبحسب منظمة حقوق الإنسان البلوشية “هالوش”، فقد دوّت عدة انفجارات، وأغلقت الطرق المؤدية إلى المحكمة. وأفادت الأنباء بأن بعض الضحايا من المدنيين بينهم أم وطفل، ما زاد من صدمة المجتمع المحلي وأثار تساؤلات عن قدرة الدولة على حماية مؤسساتها الحيوية.

 

رد أمني عنيف.. ومؤشرات على تصعيد محتمل

قوات الأمن الإيرانية تمكنت من قتل ثلاثة من المهاجمين، والذين وُصفوا بأنهم كانوا يرتدون أحزمة ناسفة لم تُفجر. وأكدت السلطات أن هؤلاء الثلاثة فقط هم من نفذوا الهجوم، في محاولة لتقليل حجم التهديد التنظيمي. إلا أن توظيف الأحزمة الناسفة يشير إلى احتمالات تصعيد في نوعية الهجمات خلال المرحلة المقبلة. كما أن توقيت الهجوم، مع تصاعد التوتر الإقليمي في المنطقة، يفتح الباب أمام مزيد من التوترات ويثير المخاوف من أن تتحول سيستان وبلوشستان إلى ساحة جديدة لحروب بالوكالة.

 

جيش العدل.. تنظيم غامض بروابط إقليمية مشبوهة

تأسس تنظيم “جيش العدل” في عام 2012 كامتداد لحركة “جند الله” التي تصنفها طهران كمنظمة إرهابية. منذ ذلك الحين، نفذ التنظيم عدة هجمات نوعية استهدفت مراكز شرطة وحرس حدود، أبرزها هجوم ديسمبر 2023 الذي أسفر عن مقتل 11 من قوات الأمن. التنظيم يتبنى خطابًا يمزج بين الانفصال العرقي والجهاد السني، ويرفض شرعية النظام الإيراني. وتشير طهران إلى أن هذا التنظيم يتلقى دعمًا من دول أجنبية، وتحديدًا باكستان وإسرائيل، وهو اتهام متكرر يعكس مدى حساسية الملف بالنسبة للأمن القومي الإيراني.

 

أبعاد إقليمية: من الحدود الباكستانية إلى ساحات الاشتباك

جغرافية المحافظة تزيد من تعقيد المشهد، إذ تقع على تقاطع حدودي مع باكستان وأفغانستان، وتُعرف بتضاريسها الصعبة ومسالكها الوعرة، ما يجعلها ملاذًا مثاليًا للمهربين والجماعات المسلحة العابرة للحدود. في يناير 2024، نفذت إيران ضربة جوية داخل الأراضي الباكستانية، استهدفت ما وصفته بخلايا “جيش العدل”، ما أدى إلى أزمة دبلوماسية مع إسلام آباد. هذه الحادثة تكشف أن التمرد البلوشي لم يعد محليًا، بل يمتد إلى أجندات إقليمية وصراعات بين قوى إقليمية كبرى.

 

الرئيس ترامب وتحديات المواجهة مع إيران

الهجوم جاء في وقت حساس، حيث تتجه الأنظار إلى إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض وسط وعود بالتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة. ورغم انشغال الإدارة الأمريكية بملفات داخلية ودولية، فإن انفجار الأوضاع في محافظة إيرانية حدودية قد يُستغل لتصعيد الضغوط على طهران، سواء عبر العقوبات أو الدعم غير المباشر للجماعات المناوئة للنظام الإيراني. ترامب، المعروف بخطابه المتشدد تجاه إيران، قد يجد في هذا الحدث فرصة جديدة لإعادة تشكيل أدوات الضغط السياسي في المنطقة.

 

سيناريوهات المستقبل: من التهدئة إلى الانفجار الشامل

بينما تسعى إيران لتطويق تداعيات الهجوم، يبقى السيناريو الأرجح هو تصعيد أمني في المحافظة، يترافق مع خطوات سياسية رمزية لامتصاص الغضب الشعبي. غير أن استمرار تجاهل المطالب الحقوقية والسياسية لأبناء سيستان وبلوشستان قد يدفع الأمور إلى مزيد من العنف، وربما انتقاله إلى محافظات أخرى. وفي ظل اتهامات طهران المتكررة بتورط أطراف أجنبية، يبدو أن المحافظة تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، في وقت تسعى فيه إيران إلى تثبيت جبهاتها الداخلية في ظل تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة.

اقرا ايضا

اليابان وكوريا الجنوبية تتمسكان بالتفاوض بعد قرار ترامب تأجيل الرسوم:هامش ضيق وفرص محدوده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى