قانون أميركي جديد يثير غضبًا تونسيًا واسعًا

أثار مشروع قانون جديد مطروح في الكونغرس الأميركي تحت عنوان “قانون استعادة الديمقراطية في تونس” موجة من الانتقادات في الأوساط السياسية والبرلمانية التونسية، التي اعتبرته تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للدولة. ويقضي المشروع بربط المساعدات الأميركية إلى تونس بشروط سياسية، من بينها إعادة تفعيل البرلمان، العودة إلى دستور 2014، ودعم استقلالية القضاء، مع فرض عقوبات على مسؤولين تونسيين تشمل تجميد الأصول والمنع من دخول الأراضي الأميركية.
انتقادات من البرلمان التونسي: “سيادة الدولة فوق كل اعتبار”
النائب التونسي ياسين مامي كان من بين أبرز المعارضين لمشروع القانون الأميركي، واصفًا إياه بأنه “تدخل مرفوض في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة كاملة”، معتبرًا أن هذا المشروع يُعد انتهاكًا صريحًا لمبادئ العلاقات الدولية المبنية على الاحترام المتبادل.
وأشار مامي إلى أن القانون المقترح يعكس نوايا سياسية أميركية لفرض إملاءات خارجية على تونس من خلال استخدام أدوات الضغط الاقتصادي، ما قد يهدد استقلالية القرار الوطني، بحسب تعبيره.
الطيف السياسي التونسي موحّد في الرفض
النائب طارق المهدي عبّر أيضًا عن رفضه التام لمضمون المشروع، مشيرًا إلى أن تونس ليست في حاجة إلى “وصاية خارجية” أو “قراءات أجنبية” لمسارها الديمقراطي.
وأكد أن الديمقراطية ليست نموذجًا جاهزًا يمكن تصديره أو فرضه، بل هي مسار وطني يتطور وفقًا لإرادة الشعب وتطلعاته وظروفه الداخلية. وأضاف أن أي محاولة لتأطير التجربة التونسية بمفاهيم ومحددات خارجية هو أمر غير مقبول، حتى لو جاء تحت غطاء “دعم حقوق الإنسان”.
ما وراء القانون: أهداف سياسية أم اهتمام بحقوق الإنسان؟
رغم أن المشروع يتحدث صراحة عن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن مراقبين يعتبرون أن له خلفيات سياسية واضحة، خصوصًا في ظل التوتر المتزايد بين تونس وعدد من العواصم الغربية منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءات 25 يوليو 2021، التي شملت تعليق عمل البرلمان وحلّه لاحقًا، فضلًا عن إصدار دستور جديد.
ويرى البعض أن مشروع القانون الأميركي يتجاوز الدعم الديمقراطي إلى ممارسة ضغط سياسي مباشر على السلطات التونسية، خاصة أن بعض بنوده تتضمن فرض عقوبات واستعمال آليات قانونية أميركية ضد مسؤولين تونسيين.
السيادة الوطنية في مواجهة النفوذ الخارجي
يشكل هذا المشروع حلقة جديدة في الصراع الرمزي والسياسي حول السيادة الوطنية، إذ يرى السياسيون التونسيون أن أي محاولة خارجية لفرض شروط على الدولة – مهما كانت الدوافع – تمثل تعديًا على القرار السيادي.
ويُعيد هذا الجدل إلى الواجهة التساؤلات حول حدود التعاون الدولي ومتى يتحول من شراكة إلى وصاية، خصوصًا في سياقات ما بعد الثورات، حيث تكون الدول أكثر عرضة للضغوط الخارجية.
خلاصة: مشروع مثير للجدل… ومآلاته غير واضحة
في انتظار ما إذا كان هذا المشروع سيُمرَّر داخل الكونغرس الأميركي أم لا، يبقى من المؤكد أن ردود الفعل التونسية الرافضة تعكس حساسية مفرطة تجاه أي تدخل خارجي، مهما كان مغطى بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
المرحلة القادمة قد تشهد مزيدًا من التوتر في العلاقات التونسية الأميركية، خاصة إذا ربطت واشنطن مساعداتها الاقتصادية فعليًا بشروط سياسية داخلية، وهو ما ترفضه تونس رسميًا وشعبيًا حتى الآن.