استقالة رئيس وزراء اليابان شيغيرو إيشيبا: انتخابات كارثية تهز المشهد السياسي

أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا استقالته من منصبه بعد أقل من عام على توليه السلطة، في خطوة وُصفت بأنها زلزال سياسي جديد يضرب الحزب الليبرالي الديمقراطي (LDP) الحاكم ويعيد خلط الأوراق داخل رابع أكبر اقتصاد في العالم. الاستقالة جاءت بعد فشل مدوٍ في انتخابات متتالية أفقدت الحزب أغلبيته في مجلسي النواب والشيوخ، ما فتح الباب أمام انقسامات داخلية حادة وتراجع حاد في شعبية الحكومة. إيشيبا، المعروف بخطابه المعتدل وهدوئه، أكد أنه يفضل التنحي طوعًا لتجنب حدوث انقسام “حاسـم” في الحزب، في وقت تواجه فيه اليابان ضغوطًا اقتصادية متزايدة نتيجة التعريفات الجمركية الأمريكية وسياسيًا تحديات داخلية تتعلق بالهجرة وارتفاع كلفة المعيشة. هذه الخطوة تفتح الباب أمام سباق خلافة محتدم قد يشهد صعود وجوه جديدة أو عودة قوى محافظة أكثر تشددًا.
فشل انتخابي يطيح برئيس الوزراء
منذ توليه قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي في أكتوبر الماضي، مُني إيشيبا بخسارتين متتاليتين: الأولى عندما فقد حزبه وشريكه “كوميتو” الأغلبية في مجلس النواب، والثانية في يوليو عندما تكرر المشهد في مجلس الشيوخ. هذه النتائج أضعفت موقفه بشدة داخل الحزب، ودفعت العديد من النواب إلى المطالبة بتغيير القيادة قبل موعدها الرسمي عام 2027.
تجنب الانقسام الداخلي
قال إيشيبا في مؤتمر صحفي إنه قرر الاستقالة حتى لا يتسبب في “شق صفوف الحزب”، خصوصًا بعدما تزايدت الضغوط لعقد انتخابات رئاسية مبكرة داخل الحزب. بعض خصومه كانوا يستعدون لإجباره على التنحي عبر تصويت داخلي، ما جعله يختار الانسحاب لتقليل الخسائر السياسية.
تأثير التعريفات الأمريكية
تزامنت الاستقالة مع تحديات اقتصادية صعبة تواجه اليابان، أبرزها التعريفات الجمركية الأمريكية على صادرات السيارات. ورغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخفيض الرسوم من 27.5% إلى 15%، اعتبر كثيرون أن هذا “الإنجاز المؤقت” لم يكن كافيًا لإنقاذ إيشيبا من موجة الغضب الشعبي داخل اليابان.
معركة الخلافة: وجوه قديمة وجديدة
الأنظار تتجه الآن إلى المرشحين المحتملين لخلافة إيشيبا. من بينهم سناء تاكائتشي، الوزيرة السابقة للأمن الاقتصادي، ذات التوجهات المحافظة المتشددة، والتي خسرت أمام إيشيبا في انتخابات العام الماضي. وهناك أيضًا شينجي كويزومي، وزير الزراعة الشاب ونجل رئيس الوزراء الأسبق جونيشيرو كويزومي، الذي يُنظر إليه كوجه إصلاحي قد يمنح الحزب دفعة شبابية.
دور القيادات المخضرمة
شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء الأسبق تارو آسو والنواب المقربين من الراحل شينزو آبي، يلعبون دورًا حاسمًا في تحديد مسار التصويت داخل الحزب. تأثير هذه الكتلة المحافظة سيكون كبيرًا في اختيار الزعيم القادم، وسط تباين بين تيارات إصلاحية وشديدة المحافظة.
أزمة الثقة والشعبية المتراجعة
أظهر استطلاع جديد أجرته وكالة “كيودو” أن نسبة تأييد حكومة إيشيبا تراجعت إلى 32.7% فقط، ما يعكس فقدان الثقة الشعبي في قيادة الحزب الحاكم. هذه الأزمة تأتي على خلفية فضائح تمويلية هزت صورة الحزب، الذي حكم اليابان بلا انقطاع تقريبًا منذ خمسينيات القرن الماضي.
تحديات داخلية متصاعدة
خليفة إيشيبا سيواجه ملفات صعبة أبرزها أزمة غلاء المعيشة، والتوترات الإقليمية، والنقاش المتصاعد حول الهجرة، حيث تشهد اليابان صعودًا في شعبية الحزب الشعبوي “سانسيتو” الذي يستغل القلق الشعبي من هذه القضايا.
ملامح المرحلة المقبلة
رغم ضعف المعارضة وانقسامها، إلا أن استقالة إيشيبا تفتح الباب أمام مرحلة من عدم الاستقرار السياسي قد تعيد تشكيل خريطة الحكم في اليابان. الصراع المقبل على زعامة الحزب سيحدد ليس فقط شخصية رئيس الوزراء القادم، بل أيضًا الاتجاه الذي ستسلكه البلاد في مواجهة الضغوط الاقتصادية والتحولات الإقليمية والدولية.