فنزويلا تجمع بين الـF-16 والـSu-30: قوة جوية نادرة

يبدو أن تحليق مقاتلات F-16 الفنزويلية فوق المدمرة الأميركية USS Jason Dunham مشهد أقرب للأفلام. فبينما تتسم العلاقات اليوم بالعداء، سبق أن وثقت واشنطن بكاراكاس لدرجة تزويدها بأقوى مقاتلة من الجيل الرابع. الحادث وقع مرتين خلال يومين متتالين في المياه الدولية، ووصفه البنتاغون بـ”لعبة الدجاج”. جاء هذا في ظل توترات بسبب تعزيز الوجود الأميركي بالكاريبي لمكافحة المخدرات، وسط اتهامات إدارة ترامب لمادورو بأنه من كبار تجار المخدرات، وهو ما أشعل الموقف بين البلدين.
شرارة التصعيد بين كاراكاس وواشنطن
بلغت الأزمة ذروتها عندما قصفت القوات الأميركية سفينة اتهمتها بأنها مرتبطة بفنزويلا ضمن عملية ضد عصابات Tren de Aragua. لكن جدوى الضربة أُثير حولها الجدل كون التعامل مع التهريب من اختصاص خفر السواحل، لا الطائرات المقاتلة. أثار الهجوم غضب كاراكاس، فردّت بتحليق F-16 فوق المدمرة الأميركية، واعتبر مادورو الضربة “مجزرة غير قانونية”. لاحقًا تحدثت تقارير عن احتمال مواجهة مباشرة بين F-35 الأميركي وF-16 الفنزويلي، وهو مشهد يبرز المفارقة في كون واشنطن تواجه طائرات صنعتها هي بنفسها.
فنزويلا: من حليف إلى خصم
لم تكن فنزويلا خصمًا دائمًا للولايات المتحدة. فمنذ اعتراف واشنطن باستقلالها عام 1835، بدأت علاقة قوية تُوجت بدعم أميركي لنزاعها الحدودي مع بريطانيا عام 1895. ومع اكتشاف النفط، حصلت الشركات الأميركية على امتيازات كبيرة عززت الروابط الاقتصادية، لتصبح فنزويلا المورد النفطي الأبرز لأميركا. وخلال الحرب الباردة، عُدت حليفًا ديمقراطيًا موثوقًا في مواجهة المد الشيوعي. لكن مع صعود هوغو تشافيز عام 1999، تغيّرت المعادلة جذريًا، حيث اتجهت كاراكاس نحو تحالفات عسكرية مع روسيا والصين، ما أدى لفرض حظر أميركي على التسليح.
صفقة الـF-16: فخر فنزويلا الجوي
في إطار تحديث أسطولها خلال الثمانينيات، اختارت فنزويلا مقاتلة F-16 بعد تقييم عروض عدة منها الميراج الفرنسي والكفير الإسرائيلي. ففي مايو 1982، وقّعت صفقة “Peace Delta” مع واشنطن لشراء 24 طائرة (16 F-16A و8 F-16B)، سُلّمت بين 1983 و1985، مع 150 صاروخ AIM-9 Sidewinder. أصبحت فنزويلا أول بلد في أميركا الجنوبية يمتلك هذه المقاتلة، لتحل محل الميراج الفرنسي القديم. شكلت الصفقة مصدر فخر وطني وأداة ردع إقليمي، إذ لم يكن أي بلد في المنطقة يمتلك طائرة بمستوى تقني مماثل حتى ظهور تشيلي والأرجنتين لاحقًا.
الـF-16 في اختبار الانقلابات والأزمات
في انقلاب نوفمبر 1992، استخدم ضباط موالون لتشافيز مقاتلات F-16، لكن الطيارين الموالين للحكومة أحبطوا الهجوم. حينها، أسقطت مقاتلة F-16 طائرة OV-10 Bronco متمردة عبر مدفعها M61A1 Vulcan، موثقة بالصور. بعد وصول تشافيز إلى الحكم، تصاعد التوتر مع واشنطن التي فرضت حظرًا على التسليح، فيما هدد ببيع طائراته لإيران. وبعد وفاته، واصل مادورو ذات النهج وسط اتهامات أميركية بالاستبداد والفساد وتهريب المخدرات. وبغياب الدعم، لجأت فنزويلا لإسرائيل لصيانة جزء من أسطولها، مع اقتناء 21 مقاتلة روسية Su-30MK2 لتعزيز قدراتها الدفاعية.
اقرأ أيضاً
أوروبا تبحث خطة ما بعد الحرب: قوات فرنسية وبريطانية لتأمين أوكرانيا
ثنائية نادرة: Su-30 و F-16
اليوم، لا تشغل فنزويلا سوى عدد محدود من طائرات F-16 إلى جانب 21 مقاتلة روسية من طراز Su-30MK2. اللافت أنها، إلى جانب إندونيسيا، الدولة الوحيدة التي تجمع بين تشغيل المقاتلات الأميركية والروسية معًا. بينما دول مثل بولندا وماليزيا اعتمدت على أحد النوعين فقط. في مارس 2024، أعلنت القوات الجوية الفنزويلية إسقاط طائرة مجهولة عبر F-16A، مؤكدة استمرار دور هذه الطائرات في الدفاع الجوي رغم العقوبات. وهكذا تثبت المقاتلات العتيقة أنها ما زالت ورقة استراتيجية بيد كاراكاس، في مواجهة محتملة مع البحرية الأميركية.