البحرية الإسرائيلية تعترض أسطولًا متجهًا إلى غزة وسط جدل دولي

في مشهد أعاد للأذهان حادثة سفينة “مافي مرمرة” عام 2010، اعترضت البحرية الإسرائيلية، الأربعاء، أسطولًا دوليًا مكونًا من أكثر من 40 قاربًا مدنيًا كان في طريقه إلى غزة محمّلًا بالمساعدات الإنسانية. الأسطول، الذي انطلق من برشلونة قبل شهر، ضم نحو 500 ناشط وبرلماني ومحامٍ من دول مختلفة، بينهم الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ والممثلة الأمريكية سوزان ساراندون. وعلى بعد 75 ميلًا من سواحل غزة، اعترضت القوات الإسرائيلية سفنًا عدة مستخدمة مدافع مياه ووسائل تشويش، ما أشعل موجة تنديد دولية. في وقت تقول إسرائيل إن هدفها هو تحويل السفن إلى ميناء أشدود للتفتيش، يرى المنظمون أن ما حدث “قرصنة بحرية” وانتهاك صارخ للقانون الدولي، خاصة أن الأسطول كان في المياه الدولية.
عملية اعتراض في عرض البحر
بدأت المواجهة حين طوقت نحو 20 سفينة حربية إسرائيلية الأسطول قبالة السواحل المصرية، وأمرت القوارب بإطفاء محركاتها. الناشطون نشروا مقاطع مباشرة على الإنترنت أظهرت الركاب يرتدون سترات نجاة وينتظرون لحظة الاعتراض. لكن البث انقطع فجأة بعد أن صعد الجنود الإسرائيليون إلى متن بعض السفن، بينها السفينة الرئيسية “ألما” التي كانت تقل غريتا تونبرغ. الناشطون وصفوا ما جرى بأنه “اعتراض غير قانوني”، بينما أكد شهود عيان أن بعض السفن تعرضت لخراطيم مياه قوية وقنابل صوتية ألقتها طائرات مسيرة. رغم ذلك، واصل بعض القوارب رحلتها متحدية الحصار، في حين أُعلن عن اعتقال العشرات من الركاب.

أصوات بارزة على متن الأسطول
الأسطول الذي حمل اسم “صمود” تميز بمشاركة شخصيات مؤثرة على المستوى الدولي، أبرزهم الناشطة البيئية غريتا تونبرغ والممثلة الأمريكية سوزان ساراندون، إضافة إلى عشرات البرلمانيين من أوروبا ومحامين وحقوقيين. حضور هذه الشخصيات منح التحرك أبعادًا سياسية وإعلامية واسعة، وجعل من الصعب تجاهل القضية على الساحة الدولية. قبل الاعتراض بدقائق، ظهرت تونبرغ في تسجيل مصور عبر إنستغرام أكدت فيه أنهم يستعدون للاعتراض، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل. هذا الظهور أضفى بعدًا إنسانيًا على المهمة التي وصفها المنظمون بأنها “رحلة مدنية سلمية تهدف إلى إدخال مساعدات عاجلة إلى غزة المحاصرة”.
تنديد حقوقي وتبريرات إسرائيلية
فيما وصف المنظمون عملية الاعتراض بأنها “قرصنة بحرية”، أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الأسطول تلقى إنذارًا مسبقًا وطُلب منه التوجه إلى ميناء أشدود حيث يمكن إدخال المساعدات بعد تفتيشها. إسرائيل زعمت أن بعض المشاركين على متن الأسطول على صلة بحركة حماس، لكنها لم تقدم أدلة واضحة. هذه الادعاءات لاقت رفضًا قاطعًا من النشطاء الذين اعتبروا أن إسرائيل تبحث عن ذرائع لتبرير حصارها. من جانبها، أكدت منظمات حقوقية أن اعتراض سفن مدنية في المياه الدولية انتهاك للقانون الدولي، بينما شددت الأمم المتحدة في تقارير سابقة أن الحصار البحري المفروض على غزة منذ 2009 يعد “انتهاكًا لحقوق الإنسان”.
مواقف دولية متباينة
المواجهة البحرية أثارت ردود فعل متباينة من العواصم الأوروبية. إسبانيا، التي انطلق منها الأسطول، دافعت عن المشاركين وأكد رئيس وزرائها بيدرو سانشيز أن المهمة “إنسانية بحتة” ولن تكون ضرورية لو سمحت إسرائيل بدخول المساعدات. إيطاليا بدت أكثر حذرًا، حيث صرحت رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني أن مثل هذه التحركات قد تعرقل مقترحات السلام الأخيرة بشأن غزة، بينما طمأن وزير خارجيتها أن تل أبيب أكدت له عدم استخدام العنف. في المقابل، عبرت منظمات حقوقية عن خشيتها من تكرار مأساة “مافي مرمرة” التي قُتل خلالها عشرة نشطاء أتراك عام 2010.

شرعية الحصار موضع جدل
منذ فرضه عام 2009، ظل الحصار البحري على غزة مثار جدل واسع. إسرائيل تبرره بدواعٍ أمنية لمنع تهريب الأسلحة إلى حركة حماس، فيما تعتبره منظمات دولية ومن بينها الأمم المتحدة “عقابًا جماعيًا” لسكان القطاع. خبراء القانون الدولي يرون أن اعتراض السفن في المياه الدولية غير مشروع، بينما تؤكد إسرائيل أن أي محاولة لكسر الحصار تمنحها حق التدخل بعد تحذير مسبق. أسطول “صمود” اعتبر أن مهمته سلمية بحتة وتحمل مساعدات إنسانية لا أسلحة، ما يضع إسرائيل في مواجهة انتقادات متجددة حول شرعية حصارها لقطاع غزة.
تداعيات مفتوحة على الأفق
اعتراض الأسطول قد يفتح فصلًا جديدًا من المواجهات السياسية والحقوقية بين إسرائيل والمجتمع الدولي. فبينما تؤكد تل أبيب أنها ملتزمة بمنع أي كسر للحصار، يرى نشطاء أن ما جرى سيزيد التعاطف مع غزة، ويضع الاحتلال في مرمى الانتقادات العالمية مجددًا. ومع انقسام المواقف الأوروبية واستمرار الدعوات لإنهاء الحصار، تبقى تداعيات هذه العملية مفتوحة على احتمالات عديدة. فهل تتحول “صمود” إلى نقطة تحول في معركة كسر الحصار، أم تضاف إلى سجل طويل من المحاولات التي انتهت بالقمع والإحباط؟