ارتفاع الفواتير هدية دائمة لصالح «ريفورم» — عار على حزب العمال لغياب الجرأة

أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة لم تكن حتمية لو وُجدت الإرادة لإيقاف شركات تستخرج الأرباح من الخدمات الأساسية في بريطانيا.
الضغط الحاد على مستويات المعيشة أصبح السمة الفارقة للسياسة البريطانية؛ فكل أسبوع يأتي بمزيد من الألم على شكل فواتير أعلى — من توقعات زيادة فواتير المياه إلى حد سعر الطاقة الذي ارتفع مؤخرًا إلى 1,755 جنيهًا سنويًا.
هذا الواقع يمنح التيارات الشعبوية اليمنية مادة سهلة لتوجيه الغضب إلى المهاجرين والـ«غرباء»، وإذا لم تُعالج أزمة القدرة على العيش فإن حزب العمال قد يجد نفسه عاجزًا عن صد تقدم حزب «ريفورم».
رغم أن عوامل خارجية مثل ارتفاع أسعار الطاقة الناتج عن حرب أوكرانيا أو اضطرابات ناجمة عن أزمة المناخ مهمة، إلا أنها لا تروي القصة كاملة. بنية الاقتصاد البريطاني تضخم أثر الصدمات: عندما تضرب صدمة خارجية، يتحول أثرها إلى أسعار أضعف للفئات العاملة هنا لأن الخدمات الأساسية — الطاقة والمياه والنقل — صُممت كفرص لاستخراج الأرباح.
في قطاع الطاقة، تُقدِّر دراسات أن نحو ربع فاتورة الاستهلاك في 2024 كان يمثل أرباحًا — أي ما يعادل حوالى 416 جنيهًا يدفعها كل منزل سنويًا كي يزداد ثراء آخرون. وفي قطاع المياه يذهب نحو ثلث الفاتورة لتمويل توزيعات الأرباح وسداد الفوائد. وقطاع السكك الحديدية لا يختلف كثيرًا: تُوزَّع معظم أرباحه بعد الضريبة على المساهمين رغم أن جزءًا كبيرًا من دخله مدعوم من الخزينة.
ما نراه إذًا ليس مجرد نتيجة لسوق متقلب، بل خيار سياسي: الجمهور دفع ما يقرب من 200 مليار جنيه لصالح مساهمي شركات المياه والطاقة والنقل منذ تسعينيات القرن الماضي — «علاوة خصخصة» لم يصوّت أحد عليها، وهي ضريبة خفية تضرب مَن هم في مراتب الدخل الأدنى أشد.
الحل الواضح هو إعادة هذه القطاعات إلى الملكية العامة وتشغيلها لمصلحة الجمهور بدلًا من الاستخراج الربحي. هذا ليس مجرد طلب للعدالة — إنه سياسة اقتصادية ذكية: إذا أُخرجت الأرباح من أسعار الخدمات الأساسية وصرنا نديرها خارج منطق السوق، يحصل أمران مهمان معًا: تزداد قدرة الأسر على الإنفاق الفعلي، وتختفي عناصر الربح تلك من مؤشرات التضخم، ما يقلل زخم التضخم المستقبلي ويمنح البنك المركزي مجالًا أكبر لتيسير السياسة النقدية.
أمثلة محلية تُثبت الفكرة: عودة شبكة الحافلات «Bee Network» في مانشستر الكبرى إلى سيطرة عامة أدت إلى تبسيط التعريفة وخفض متوسط سعر التذكرة بنسبة نحو 15٪ — نموذج يظهر أن تحسين الخدمة وخفض التكلفة ممكنان دون الإخلال بالتشغيل.
لكن التحدي السياسي هائل:
الشركات الرابحة من أزمة التكاليف نفسها اللازمة للاستثمار في البُنى التحتية والانتقال الأخضر، ولها نفوذ هائل. سلوك دائني Thames Water مثال صارخ — يقدمون للحكومة خيارًا قاسياً: إما تخفيف المعايير البيئية أو تفكك الشركة. والجهات التنظيمية مثل Ofgem تبدو مترددة في تصحيح مكاسب فائضة لخوفها من نزوح المستثمرين. النتيجة أن محاولة تقليص «علاوة الخصخصة» في ظل احتفاظ الشركات بمفاتيح البنى التحتية ستكون مقاربة غير متكافئة.
التدبير العمومي قد يتطلب رفعًا ضريبيًا، لكن الضريبة يمكن أن تُطبَّق بشكل تقدمي على عكس الأسعار الثابتة التي تثقل الفقراء. إذا صُمِّم النظام المالي بشكل سليم، تحتفظ معظم الأسر بالمكاسب الناتجة عن إزالة توزيعات الأرباح بينما يسهم الأغنى وفق قدرته.
الخلاصة:
مواجهة أزمة تكلفة المعيشة تتطلب تحدّي نماذج أعمال تكسب من الحاجة الأساسية. إعادة المياه والطاقة والنقل إلى ملكية عامة مدروسة يمكن أن تكون أداة فعالة لخفض الفواتير، تقليل التضخم المهيمن، وإعادة توزيع الدخل لصالح المواطنين. إن لم يتحلَّ حزب العمال بالجرأة على هذا المسار، فستستمر معاناة الأسر وتآكل موقف الحزب السياسي.



