فوضى في الكنيست تكشف تصدع حكومة نتنياهو وتهدد استقرار الائتلاف اليميني

افتتح الكنيست الإسرائيلي دورته الشتوية الأخيرة وسط حالة غير مسبوقة من الفوضى والصدامات السياسية التي عكست عمق الانقسام داخل الحكومة اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو. فقد تحولت الجلسة الأولى بعد عطلة استمرت ثلاثة أشهر إلى ساحة من الشتائم والمقاطعات وأعمال الطرد وتبادل الاتهامات بين الأعضاء. وبينما كان من المفترض أن تعلن الجلسة عن استئناف العمل التشريعي بعد أسابيع من التوتر السياسي والحرب في غزة، تحولت إلى مرآة للأزمة المؤسسية في إسرائيل، إذ تصاعدت المواجهة بين السلطتين التشريعية والقضائية، وتفاقمت الخلافات بين الشركاء داخل الائتلاف الحاكم. ومع تصاعد الاحتجاجات ومواقف التهديد من أحزاب اليمين المتطرف، بدا واضحًا أن حكومة نتنياهو تواجه اختبار بقائها الأصعب منذ تشكيلها، وسط أزمة داخلية غير مسبوقة تهدد استقرارها السياسي.
صراع داخل القاعة
بدأت الجلسة العامة بمشادات كلامية وهتافات معارضة ضد رئيس الكنيست أمير أوهانا، الذي رد بطرد عدد من النواب وهاجم السلطة القضائية علنًا، متهمًا المحكمة العليا بأنها «سحقت الكنيست» وقوّضت الديمقراطية الإسرائيلية. هذا الهجوم المفاجئ أثار غضبًا واسعًا داخل القاعة، ودفع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج إلى إلغاء خطابه المقرر في سابقة نادرة تعكس عمق الأزمة بين مؤسسات الدولة. وأظهرت الجلسة أن الصراع بين المؤسستين التشريعية والقضائية لم يعد نقاشًا قانونيًا حول الصلاحيات، بل تحوّل إلى مواجهة سياسية مفتوحة تهدد التوازن المؤسسي في إسرائيل وتنذر بانفجار داخلي أكبر في قادم الأيام.

نتنياهو في مواجهة المعارضة
حاول بنيامين نتنياهو خلال خطابه أمام الكنيست استعادة زمام المبادرة، مركّزًا على ما وصفه بضرورة استمرار العمليات العسكرية في غزة، لكن مقاطعته المتكررة من المعارضة أضعفت رسالته. وأمام الصيحات والاستهجان، اتهم نتنياهو خصومه بالسعي لإفشال الحكومة في خضم الحرب. واعتبر أن وقف القتال كان سيعني انتصارًا لحماس وتعزيزًا لمكانة إيران وحزب الله. غير أن زعيم المعارضة يائير لابيد حمّله مسؤولية التدهور الأمني والاقتصادي، واتهمه بتحويل إسرائيل إلى «دولة محمية» تعتمد على دعم ترامب الخارجي بدلًا من تقوية الجبهة الداخلية. وهكذا تحوّل البرلمان إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين السلطة والمعارضة.

انقسام داخل الائتلاف
لم يقتصر الهجوم على نتنياهو من المعارضة فحسب، بل امتد إلى داخل معسكره السياسي. فقد هدّد وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير بالانسحاب من الائتلاف إذا لم يُطرح قانون الإعدام للإرهابيين خلال الدورة الحالية، مذكّرًا نتنياهو بأن القانون كان أحد وعودهم الانتخابية. كما عبّر بعض الوزراء عن استيائهم من تردي الوضع الاقتصادي وتراجع الثقة بالحكومة في ظل التوتر الأمني. واعتبر محللون إسرائيليون أن الأزمة الحالية تكشف هشاشة التحالف اليميني الذي يواجه ضغوطًا متزايدة من الخارج والداخل، ما يجعل احتمالات تفككه واردة جدًا قبل نهاية الدورة الشتوية الحالية.
التحالف على حافة الانفجار
المشهد الفوضوي في الكنيست لم يكن مجرد خلاف برلماني عابر، بل علامة على أزمة حكم متصاعدة داخل إسرائيل. فالتناحر بين السلطات وتبادل الاتهامات بين الشركاء، إلى جانب محاولات السيطرة على القضاء، كلها مؤشرات على تآكل الثقة داخل النظام السياسي. ومع استمرار الحرب في غزة والتهديدات الأمنية من الشمال، يبدو استقرار حكومة نتنياهو مهددًا أكثر من أي وقت مضى. وإذا فشل نتنياهو في احتواء الانقسام، فقد تتجه البلاد إلى انتخابات مبكرة أو أزمة دستورية عميقة، تجعل الدورة الشتوية الأخيرة بداية مرحلة جديدة من الاضطراب السياسي في إسرائيل.



