عرب وعالم

بحملة دبلوماسية مكثفة.. ترامب يزيد الضغط على نتنياهو للالتزام باتفاق غزة

تواصل الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب حملة دبلوماسية غير مسبوقة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فبعد عامين من الحرب التي أنهكت القطاع وعمّقت الانقسامات الإقليمية، تسعى واشنطن لفرض رؤيتها عبر تحركات ميدانية مكثفة ولقاءات رفيعة المستوى. وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن زيارة موكب من كبار المسؤولين الأمريكيين لإسرائيل كشفت حجم النفوذ الأمريكي المتزايد داخل القرار الإسرائيلي، في ظل شعور عام بأن واشنطن هي من تمسك بزمام الأمور. وبينما تصر الإدارة الأمريكية على تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب المكوّنة من 20 نقطة لإنهاء الحرب، تبدو الحكومة الإسرائيلية في موقف حرج بين ضغوط الداخل اليميني المتشدد ورغبة واشنطن في فرض واقع جديد على الأرض يعيد ترتيب موازين القوة في المنطقة.

 

نتنياهو في مواجهة ضغط غير مسبوق من واشنطن

أشارت فاينانشال تايمز إلى أن نتنياهو واجه موقفًا محرجًا خلال وقوفه إلى جانب نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، عندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كانت إسرائيل قد تحوّلت إلى دولة تابعة للولايات المتحدة. نفى نتنياهو بشدة، مؤكدًا أن العلاقة مع واشنطن “تحالف وشراكة”، غير أن المزاج العام في إسرائيل يوحي بغير ذلك. فواشنطن أصبحت اللاعب الفعلي في إدارة الاتفاق، بعد أن اضطرت حكومة نتنياهو اليمينية إلى القبول بوقف إطلاق النار رغم تحفظاتها. وجاءت زيارة فانس برفقة مبعوثي ترامب ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر لتؤكد تصميم واشنطن على مراقبة تنفيذ الاتفاق ميدانيًا، بينما واصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو جولته في تل أبيب بعد ساعات من مغادرة الوفد، في مؤشر واضح على أن الإدارة الأمريكية لن تترك المجال مفتوحًا أمام المناورة الإسرائيلية أو محاولات إفشال الاتفاق.

 

خطة ترامب: إشراف أمريكي مباشر على غزة

بحسب التقرير، فإن الإدارة الأمريكية أطلقت حملة دبلوماسية مكثفة لتحويل اتفاق غزة إلى نموذج جديد للتدخل الأمريكي المباشر في النزاعات. فقد تم إنشاء مركز تنسيق مدني وعسكري بقيادة واشنطن في إسرائيل يضم 200 جندي أمريكي لمتابعة تنفيذ الاتفاق والإشراف على وقف إطلاق النار. وترى فاينانشال تايمز أن هذه الخطوة هي المؤشر الأبرز على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب، التي تتضمن إنشاء قوة استقرار دولية تشرف على الأمن في غزة وتشكيل لجنة تكنوقراطية فلسطينية لإدارة شؤون القطاع اليومية، تحت إشراف “مجلس سلام” يترأسه ترامب شخصيًا. وتقول المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي إن إرسال هذا الفريق الرفيع إلى المنطقة “يعكس التزام الرئيس بالقيام بعمل جاد لإنجاز ما لم يتحقق من قبل”.

 

توتر متصاعد بين واشنطن وتل أبيب

ورغم هذا التنسيق المكثف، بدأت ملامح التوتر تظهر بين الجانبين بعد أن وجهت واشنطن انتقادات نادرة لنواب إسرائيليين صوّتوا لصالح ضم أجزاء من الضفة الغربية. فقد وصف نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس التصويت بأنه “حيلة سياسية غبية” و”إهانة شخصية”، في وقت تتزايد فيه الضغوط على نتنياهو من الداخل. كما نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية أن ترامب أبدى استياءه من الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة ووقف المساعدات الإنسانية عقب مزاعم بمقتل جنديين إسرائيليين على يد حماس. ووفقًا لدبلوماسيين تحدثوا للصحيفة، فإن الرئيس الأمريكي حذّر نتنياهو بوضوح من محاولة التراجع عن الاتفاق، مؤكدًا أن واشنطن “لن تسمح بانهياره”، في إشارة إلى رغبة ترامب في فرض التزام صارم على الطرفين.

 

غزة بين الهشاشة السياسية والرهانات الإقليمية

تؤكد فاينانشال تايمز أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل اتفاق غزة، إذ حذر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف نتنياهو من أن “المرحلة الحالية هشة للغاية”. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن حماس قد تبدي استعدادًا لنزع جزئي للسلاح، لكنها تربط ذلك بشروط معقدة، تشمل ضمانات أمنية وانسحابًا إسرائيليًا كاملاً من القطاع. في المقابل، لا تزال إسرائيل متهمة بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية، ما أثار انتقادات دولية متزايدة. ويخشى مراقبون أن تؤدي أي خطوة خاطئة إلى انهيار الاتفاق الهش، خاصة في ظل استمرار الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية وتزايد الضغوط الشعبية على نتنياهو. ويرى محللون أن نجاح خطة ترامب يعتمد على مدى قدرة واشنطن على موازنة الأمن الإسرائيلي بالمطالب الإنسانية الفلسطينية.

 

سلام هش.. وقلق من المستقبل المجهول

رغم الزخم الدبلوماسي الكبير الذي تبذله واشنطن في إدارة اتفاق غزة، يبقى السلام الناتج عنه هشًا ومحفوفًا بالمخاطر. فالتحديات على الأرض، من غياب الثقة بين الأطراف إلى الانقسامات الداخلية في إسرائيل، تهدد بإفشال أي تقدم حقيقي. أما في غزة، فلا تزال الأوضاع الإنسانية كارثية، والمساعدات شحيحة، بينما تترقب الأطراف الإقليمية تطورات المشهد بحذر. ويرى خبراء أن خطة ترامب قد تنجح في تهدئة مؤقتة، لكنها لا تضمن تسوية دائمة ما لم تُعالج جذور الصراع. وبينما يتفاخر ترامب بإنجازه الدبلوماسي، يتساءل كثيرون عمّا إذا كان هذا السلام سيصمد، أم سيبقى مجرد محطة عابرة في تاريخ الصراع الطويل بين إسرائيل والفلسطينيين.

اقرا ايضا

«Glimt».. سلاح السويد السري لمساندة أوكرانيا عبر التنبؤ الجماعي بالمعارك

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى