صفقة التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة… لماذا يراها خبراء “كارثة يجب دفنها”؟

يصف خبراء السياسة والتجارة الدولية الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ملعب “تيرنبيري” باسكتلندا بأنه “استسلام كامل” و**”إهانة لأوروبا”**. ويرى هؤلاء أن الصفقة، التي لم تُوقّع بعد، ليست سوى انحراف عن مبادئ الاتحاد في الدفاع عن التجارة العادلة والقائمة على القواعد، وأنه ينبغي رفضها وإعادة صياغة نهج التفاوض الأوروبي بالكامل.
ثلاث كوارث في صفقة واحدة
يرى المنتقدون أن الاتفاق يضر بمكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية، إذ يرسل رسالة ضعف في مواجهة الضغوط الأمريكية، بينما كانت دول مثل كندا والصين والبرازيل قد اتخذت موقفًا أكثر صلابة تجاه واشنطن.
اقتصاديًا، يعتبر الاتفاق طريقًا ذا اتجاه واحد لصالح الولايات المتحدة:
فقدان المصدرين الأوروبيين للوصول إلى الأسواق الأمريكية.
منح الشركات الأمريكية معاملة تفضيلية في السوق الأوروبية.
تضرر قطاعات صناعية أوروبية أساسية مثل الأدوية والصلب والألومنيوم، مقابل توسع النفوذ الأمريكي في مجالات السلع الاستهلاكية والأغذية والزراعة.
الأخطر أن الاتحاد الأوروبي يتخلى عن حقه في الرد على أي ضغوط أمريكية مستقبلية بفرض رسوم على الخدمات الرقمية أو رسوم شبكات الاتصالات، ما يعني قيدًا طويل الأمد على أدواته الدفاعية.
استثمارات خارجية ضد مصلحة أوروبا
أحد أكثر بنود الاتفاق إثارة للجدل هو تعهّد فون دير لاين بضخ 600 مليار دولار من الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، وهو التزام لم تحصل على تفويض به من الدول الأعضاء.
هذا التعهد، بحسب الخبراء، يتناقض مع حاجة أوروبا الملحة لتعزيز قوتها الاستثمارية داخليًا، خصوصًا في ظل إعادة توزيع رؤوس الأموال العالمية بفعل سياسات “ترامبونوميكس” وضعف الدولار. النتيجة، برأيهم، هي رسالة سياسية واقتصادية خاطئة في وقت كانت أوروبا تحتاج فيه لترسيخ مكانتها كمركز استثماري استراتيجي.
كيف وصلنا إلى هنا؟
الخوف من تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30%، والرغبة في تجنب حرب تجارية، كانا المحركين الرئيسيين وراء مواقف الدول الأعضاء، لا سيما ألمانيا وأيرلندا، بدعم من شركات السيارات الألمانية وكبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية.
لكن هذه المصالح الضيقة – مثل الصفقات الضريبية التفضيلية لأيرلندا، وخطط BMW ومرسيدس لنقل خطوط إنتاج إلى الولايات المتحدة – لا يمكن أن تمثل مستقبل الاتحاد الأوروبي، وفقًا لآراء المنتقدين.
خطأ تكتيكي في التفاوض
يتهم المنتقدون فون دير لاين بأنها ذهبت إلى الاجتماع النهائي وهي مستعدة للموافقة، دون أن تحمل استراتيجية بديلة أو استعدادًا للمواجهة. النتيجة، كما يصفونها، كانت “سحق ترامب” للموقف الأوروبي.
السيناريو البديل، بحسبهم، كان يمكن أن يكون رفض الشروط، حتى لو أدى ذلك إلى غضب ترامب أو اضطراب الأسواق، لأن النتيجة المرجحة كانت ستتمثل في تأجيل المفاوضات والتوصل لاحقًا إلى صفقة أقل انحيازًا للجانب الأمريكي.
درس من مفاوضات البريكست
يشبّه البعض ما جرى بالجولات الأخيرة من مفاوضات البريكست قبل خمس سنوات، حينما أبدت فون دير لاين استعدادًا لتقديم تنازلات لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون، قبل أن تتراجع تحت ضغط المفاوض الأوروبي الأبرز ومجموعة من الدول الأعضاء المتشددة.
مسار الاتفاق ما زال مفتوحًا
الاتفاق الحالي ليس نهائيًا، إذ لا يزال في مرحلة تفسير البنود وصياغة التفاصيل. كما أن موافقة 27 دولة عضو مطلوبة قبل تحويله إلى اتفاق دولي وقانون أوروبي. ورغم أن ألمانيا وإيطاليا تبدوان مؤيدتين، فإن التغيرات السياسية الداخلية قد تعدّل مواقفهما.
البرلمان الأوروبي أيضًا قد يعرقل الاتفاق، خصوصًا بعد تصريحات رئيس لجنة التجارة فيه، بيرند لانغه، الذي وصف الصفقة بأنها “تجسيد دائم لعدم التوازن” و**”صفقة بائسة”**.
فرصة لإعادة التفاوض
الوضع الاقتصادي الأمريكي، بحسب الخبراء، ليس بالقوة التي تتيح لترامب فرض شروطه بلا مقابل، إذ تعاني المؤشرات من ضعف، وتواجه الأسواق حالة من القلق. كما أن تهديداته الجمركية الأخيرة مصحوبة بفترات تمديد تصل إلى 90 يومًا، ما يكشف عن موقع تفاوضي هش.
بالنسبة لأوروبا، الدرس المستفاد من البريكست واضح: “لا شيء متفق عليه حتى يتم الاتفاق على كل شيء”. هذا يعني أن أمام الحكومات الأوروبية والبرلمان فرصة لتصحيح المسار وإنقاذ الموقف قبل أن يتحول إلى التزام طويل الأمد يضر بمصالح القارة.