علوم وتكنولوجيا

معركة الذكاء الاصطناعي: هل تتفوق الصين على أمريكا في السباق نحو السيطرة التقنية والذكاء الاصطناعي العالمي؟

استراتيجيةالصين في الذكاء الاصطناعي: الهيمنة بحلول 2030

في القرن الحادي والعشرين، لم تعد القوة العظمى تُقاس فقط بالصواريخ العابرة أو حاملات الطائرات، بل بخوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وتكتيكات الحروب والمجتمعات.

ومن بين جميع منافسات القوى العظمى، تبرز المواجهة بين الولايات المتحدة والصين على من يقود الذكاء الاصطناعي بوصفها التحدي الأكثر حسماً لمستقبل الهيمنة العالمية.

بينما تبني الصين منظومة متكاملة لتسريع الابتكار في الذكاء الاصطناعي عبر الدولة والحزب والقطاع الخاص، تعاني أمريكا من قيود تشريعية ودعاوى قضائية متزايدة تهدد بتقييد الوصول إلى البيانات، ما قد يضعف مكانتها التكنولوجية والعسكرية.

وفي الوقت الذي يُترك فيه المطورون الأميركيون للمحاكم، تطلق بكين العنان لمختبراتها للوصول إلى بيانات لا حدود لها. المعركة على الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مسألة تفوق تقني، بل صراع على مستقبل النظام العالمي.

استراتيجيةالصين في الذكاء الاصطناعي: الهيمنة بحلول 2030

الصين لم تُخفِ طموحاتها في الهيمنة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. ووفقًا للرؤية الاستراتيجية لبكين، فإن الذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بتطوير روبوتات أو أدوات برمجية، بل هو عنصر أساسي في بناء قوة اقتصادية وعسكرية ومعلوماتية لا تُضاهى. ومن خلال إنشاء “إدارة البيانات الوطنية”، بدأت الصين بتوجيه كميات هائلة من البيانات إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل الرعاية الصحية والمراقبة الجغرافية، مما يمنح شركاتها قفزات تطويرية متتالية في تطوير الذكاء الاصطناعي.

واشنطن: قوة الابتكار التكنولوجي مهددة بالتقنين والبيروقراطية

في المقابل، تتمتع الولايات المتحدة بإرث عريق من الابتكار التكنولوجي مدفوع بالقطاع الخاص، من الإنترنت إلى وادي السيليكون. لكن تلك القوة مهددة حاليًا بفضل تصاعد دعاوى حقوق النشر ضد مطوري الذكاء الاصطناعي، والتي قد تمنعهم من استخدام البيانات الضرورية لتدريب النماذج الذكية. بعض الدعاوى تطالب بحذف النماذج تمامًا، مما ينذر ببيئة قانونية خانقة تدفع الاستثمارات والباحثين في الذكاء الاصطناعي نحو الخارج.

“الاستخدام العادل”: الحصن القانوني للابتكار الأميركي في خطر

أحد الأعمدة التي بني عليها الابتكار الأميركي هو مبدأ “الاستخدام العادل”، الذي يسمح باستخدام المواد المحمية بحقوق النشر لأغراض تعليمية وتحويلية. هذا المبدأ أتاح تطور محركات البحث وتدريب البرمجيات وتحليل البيانات. لكنه الآن في مرمى النيران، إذ تسعى بعض الجهات إلى إعادة تفسيره بطريقة تُجرّم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على بيانات عامة أو متاحة على الإنترنت. التخلي عن هذا الإطار القانوني سيعني تخلي أمريكا عن تفوقها التاريخي في تكنولوجيا المعلومات.

بيانات الدولة: النفط الجديد في المعركة الرقمية والذكاء الاصطناعي

بينما تمنح الحكومة الصينية شركاتها حق الوصول إلى بيانات حساسة تشمل لقطات كاميرات المراقبة وسجلات الصحة العامة، تظل المؤسسات الأميركية حذرة في الإفراج عن بياناتها حتى للاستخدام البحثي. وبدلاً من استثمار هذا المورد الوطني الاستراتيجي، تُترك الشركات الأميركية تتخبط وسط تعقيدات قانونية وسياسية، مما يقلص من قدراتها التنافسية أمام منافسيها الصينيين في مجال الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي كسلاح سيبراني ودعائي: مخاطر السيطرة الصينية

الخطر لا يقتصر على فقدان الريادة الاقتصادية، بل يمتد إلى المجال الأمني. في حال تفوقت الصين في الذكاء الاصطناعي، ستمتلك تفوقًا في تطوير أسلحة ذاتية التشغيل، واختراقات سيبرانية، وتحليل استخباراتي فوري. كما يمكن لبكين أن تستغل هذه التكنولوجيا في تعزيز الدعاية الرقمية، وبث العشوائية في المعلومات عبر منصات التواصل، وتقويض المجتمعات الديمقراطية من الداخل باستخدام “ديب فيك” يصعب تمييزه عن الحقيقة، مما يؤثر على الأمن السيبراني العالمي.

معركة المعايير العالمية: من يكتب قواعد الذكاء الاصطناعي؟

تفوق الصين في الذكاء الاصطناعي لا يعني فقط السيطرة على الأسواق، بل فرض معايير عالمية جديدة. تمامًا كما تهيمن الشركات الأميركية على بروتوكولات الإنترنت والمعايير البرمجية، تسعى بكين الآن لكتابة قواعد الذكاء الاصطناعي بشكل يعكس نظامها السلطوي، مما قد يؤثر على الخصوصية والشفافية وحرية التعبير عالميًا. المعركة إذن ليست فقط تكنولوجية، بل قيمية أيضًا وتتعلق بمعايير الذكاء الاصطناعي العالمية.

أوروبا تقدم نموذجًا تحذيريًا: عندما يقتل التنظيم الابتكار في الذكاء الاصطناعي

تبنّت أوروبا سياسة أكثر تحفظًا تجاه استخدام البيانات في الذكاء الاصطناعي، وسمحت لأصحاب الحقوق “بالانسحاب” من عمليات التدريب، مما خلق مناخًا قانونيًا غير مستقر أعاق الشركات الناشئة. ويحذر الخبراء الأميركيون من السير في نفس الاتجاه، مؤكدين أن نموذج “التحكم المفرط” يُضعف القدرة على المنافسة، ويمنح الصين فرصة ذهبية للتقدّم دون قيود مماثلة في تطوير الذكاء الاصطناعي.

الخطوات المطلوبة: لا وقت للبيروقراطية لحماية الريادة في الذكاء الاصطناعي

لحماية ريادتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى أمرين عاجلين: أولًا، حماية مبدأ “الاستخدام العادل” كأداة ضرورية للابتكار، وثانيًا، إطلاق مراجعة فورية لفتح بيانات حكومية غير حساسة أمام الباحثين وشركات الذكاء الاصطناعي. البيانات هي وقود المرحلة القادمة، ويجب على واشنطن أن توفّره محليًا بدلًا من السماح باحتكار خارجي له.
المعركة بدأت بالفعل… وخسارة الذكاء الاصطناعي ستكون كارثية

الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية ولا سباقًا تجاريًا بحتًا، بل معركة حاسمة على شكل العالم في العقود المقبلة. إذا تُركت شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية تكافح داخل ساحات المحاكم، بينما تطلق الصين العنان لتقنياتها دون حواجز، فإن النتيجة ستكون واضحة: انحدار الهيمنة الأميركية وبزوغ معايير استبدادية تسيطر على الفضاء الرقمي العالمي. الأمر يتطلب رؤية سياسية واضحة، واستجابة تشريعية حاسمة، وقيادة تقنية لا تعرف التردد في سباق الذكاء الاصطناعي.

إقرأ ايضَا:

بريطانيا أسيرة الخوف: كيف أصبح شبح ليز تراس حارساً على أبواب القرار الاقتصادي؟ 

إيمان زريقات

إيمان زريقات صحفية سورية متخصصة في القسم الخارجي وتغطية وكالات الأنباء العالمية، ولها خبرة واسعة في متابعة الأخبار الدولية وتقديم تقارير دقيقة وشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى