فن وثقافة

«لينكن بارك»… عودة كبرى تحت قيادة امرأة وميراث من الألم

«لينكن بارك»

 

بعد مرور ثمانية أعوام على رحيل تشيستر بنينغتون، المطرب الرئيسي الذي طبع هوية فرقة «لينكن بارك» وأعطاها طابعها العاطفي الغاضب، تعود الفرقة الأميركية الشهيرة إلى الأضواء في واحدة من أكثر تجارب إعادة التشكيل جرأةً في تاريخ موسيقى الروك. وبين النوستالجيا المفعمة بصخب أوائل الألفينات، وتجدد روح “نيو ميتال” على تيك توك، وبين تحديات تولي امرأة لقيادة فرقة كانت رمزًا للذكورة الموسيقية المكثفة، يحاول مايك شينودا، المؤسس والمغني المشارك، بناء الجسر بين الماضي المؤلم والمستقبل المحتمل.

ما وراء الصيحة ووراء “الترند”، هناك محاولة لإعادة تعريف هوية «لينكن بارك» بعد الفقد، وبعد العزلة، وبعد الغضب.

من “هايبرد ثيوري” إلى “فروم زيرو”: العودة من العدم

في عام 2000، أطلقت «لينكن بارك» ألبومها الأول “هايبرد ثيوري” الذي قلب موازين موسيقى الروك بمزيجها غير المسبوق من الميتال والهيب هوب والإلكترونيكا، ليتحول الألبوم إلى الأكثر مبيعًا في العالم عام 2001. لكن في عام 2023، بعد صمت طويل وشكوك كثيرة، عادت الفرقة بألبومها الجديد “From Zero”، والذي تصدر قوائم المبيعات في 13 دولة، وأعاد الفرقة إلى موقعها كظاهرة موسيقية قادرة على تجديد نفسها وخلق جمهور جديد تمامًا.

النجاح كان مفاجئًا حتى لمايك شينودا نفسه، الذي قال إنه “تجاوز كل أحلامه”، خاصة أن الألبوم لم يكن مجرد حنين إلى الماضي، بل كان إعلانًا واضحًا عن ولادة جديدة.

من الغياب إلى التغيير: رحيل بنينغتون وأثره العاطفي

انتحار تشيستر بنينغتون في 2017 كان صدمة هزّت عالم الروك. كان صوته بمثابة الجرح المفتوح الذي تحدث باسم ملايين المعذبين، وكانت وفاته نهاية عهد لكثيرين. شينودا لم ينهِ الفرقة حينها، لكنه احتاج وقتًا طويلًا للتعافي. أطلق ألبومًا منفردًا بعنوان “Post Traumatic” سجّل فيه مذكرات حزنه. كانت جولة الألبوم مؤلمة، يشبّهها شينودا بجلسات علاج جماعية للجمهور، لكنه هو نفسه خرج منها منهكًا.

دخول إميلي أرمسترونغ: صوت جديد في ظل المقارنة

ظهرت إميلي أرمسترونغ، المغنية ذات الشعر البلاتيني والصوت الحادّ، كمفاجأة كبيرة. هي ليست بنينغتون، ولا تحاول أن تكونه، بل تقدّم نفسها كقوة جديدة في الفرقة. على المسرح، تؤدي الأغاني القديمة وتتيح للجمهور الغناء معها لا بدلًا منها. رغم الحماس الكبير، لم تكن ردود الفعل كلها إيجابية. واجهت انتقادات كثيرة، بعضها صريح وبعضها متخفي وراء “الحفاظ على الإرث”، لكن شينودا كان واضحًا: “الناس غضبوا فقط لأنها لم تكن رجلًا”.

التوازن بين الإرث والتجديد: معادلة صعبة

ظلّت «لينكن بارك» لسنوات فرقة يغلب عليها الطابع الذكوري، وسط مشهد نيو ميتال مشحون بـ”الرجولة السامة”. شينودا يعترف اليوم أن فرقًا مثل “ليمب بيزكت” و”كورن” و”سيستم أوف أ داون” كانت تروّج أحيانًا لخطابات عدوانية. لكن «لينكن بارك» كانت دومًا أكثر تأملًا، تقدم مشاعر الخوف والإحباط بدلًا من العنف والغضب المجرد. اليوم، ومع دخول امرأة إلى المشهد، يبدو أن روح “النيو ميتال” نفسها تعيد تعريف ذاتها.

تجربة جديدة لكن ليست خالية من العثرات

لم يكن الطريق سهلاً. والدة بنينغتون عبّرت عن شعورها بالخيانة لعدم استشارتها قبل العودة. أما ابنه، فقد انتقد حضور أرمسترونغ جلسة دعم لممثل مدان بالاغتصاب وله صلات بالسينتولوجيا، الأمر الذي خلق عاصفة إعلامية. رغم ذلك، قررت أرمسترونغ الانسحاب من الجدل، وتجنب الشبكات الاجتماعية حفاظًا على صحتها النفسية. أما شينودا، فكان رد فعله ساخرًا: ارتدى قميصًا يحمل سطورًا من مقالة ناقدة للفرقة ونشرها بعد حفلتهم الناجحة في ويمبلي، كنوع من الرد غير المباشر.

حين يصبح الحنين سلاحًا: الجيل الجديد يكتشف «لينكن بارك»

المثير أن جمهور «لينكن بارك» اليوم لا يتكون فقط من المعجبين القدامى، بل من جيل جديد يتعرّف إلى الفرقة من خلال تيك توك ومنصات البث. العودة القوية للنيو ميتال، والأزياء الواسعة، والنظارات السوداء، والموسيقى المفعمة بالتمرد، كلها أعادت «لينكن بارك» إلى صدارة المشهد. ومن خلال أغانٍ مثل “Let You Fade”، التي ظن كثيرون أنها تكريم لبنينغتون رغم أن شينودا لم يكتبها بنيّة ذلك، بات الجمهور يبحث عن ظلال الماضي في كل نغمة.

بناء المستقبل دون إنكار الألم

رغم كل شيء، تبقى «لينكن بارك» الآن فرقة جديدة برؤية قديمة متجددة. حفلاتهم تحاول أن تكون مساحة للفرح لا للحداد. لكن بعض الأغاني، مثل “One More Light”، لا تُؤدّى على المسرح، ببساطة لأنها مؤلمة أكثر من اللازم. لقد كُتبت أصلًا لامرأة توفيت في شركة الإنتاج، لكنها صارت لاحقًا رمزًا لبنينغتون نفسه، ما يجعل غنائها اليوم غير محتمل عاطفيًا.

هل تنجح التجربة الثانية؟

ربما لن تستطيع «لينكن بارك» أن تعود تمامًا كما كانت، لكنها لم تعد مضطرة لذلك. التجربة الجديدة ليست بديلة، بل امتداد. هناك احترام للماضي، لكن مع رغبة واضحة في تجاوز الحزن دون أن يعني ذلك نسيانه. لقد صار الجمهور أوسع، والصوت مختلف، لكن المشاعر التي صنعت هوية الفرقة لا تزال حيّة. وربما، في عالم يمتلئ بالموسيقى السطحية، تكون هذه المشاعر هي ما يمنح «لينكن بارك» معناها الحقيقي من جديد.

اقرا ايضا

ياكارينو ومسك: القصة الكاملة لامرأة حاولت “امتطاء النمر” وسقطت

منةالله خيري

صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى