طاقة

شيفرون القاسية: مايك ويرث يقود ثورة ثقافية صارمة داخل عملاق النفط الأمريكي

شيفرون تُعيد تشكيل ثقافتها وتسعى لتعزيز مكانتها في سوق النفط العالمي

في فبراير الماضي، وجّه الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون، مايك ويرث، رسالة صارمة إلى موظفي الشركة البالغ عددهم نحو 40 ألفًا: كفّوا عن المبالغة في اللطف مع بعضكم البعض.

في اجتماع افتراضي على مستوى الشركة، شدد ويرث ومعاونوه على أن الوقت قد حان لأن يتحلّى القادة بجرأة أكبر، ويتخذوا قرارات حاسمة، ويتحملوا مسؤولية الإخفاقات، وأن يخوضوا محادثات صعبة مع الموظفين ضعيفي الأداء. الهدف، بحسبهم، هو منع الشركة من التراجع أمام المنافسين في سوق نفط عالمي شديد التنافسية.

 

هذه الدعوة للتغيير لم تأتِ من فراغ. فحسب تقرير أعدته شركة الاستشارات “ماكينزي” بطلب من شيفرون، أعرب الموظفون عن إحباطهم من غياب الابتكار ووضوح الاستراتيجية. التقرير لخص المعضلة قائلًا: “نحن لطيفون حتى عندما لا تتحقق النتائج أو السلوكيات المطلوبة، ونركز على التعاون والشمول، لكننا نفتقر إلى المواجهة المباشرة التي تضمن تحقيق الأهداف”.

ضغوط السوق وتحديات المشاريع الكبرى

جاءت هذه الخطوة بينما كانت أسهم شيفرون تتخلف عن منافستها اللدودة إكسون موبيل، في وقت تعثرت فيه مشاريع استراتيجية، مثل مشروع نفطي ضخم في كازاخستان شهد تأخيرات مكلفة. كما تباطأت وتيرة الحفر في حوض بيرميان – أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة – مع تراجع أسعار النفط. وزاد الوضع تعقيدًا تعطل صفقة الاستحواذ على شركة هيس بقيمة 53 مليار دولار، بعد تدخل مفاجئ من إكسون لمحاولة منع الصفقة.

 

اليوم، وبقيمة سوقية تبلغ 310 مليارات دولار، تسعى شيفرون لتبني نهج أكثر صرامة، ليس فقط تجاه موظفيها، بل أيضًا تجاه المنافسين والخصوم السياسيين. وفي أعقاب إعلانها عن إعادة هيكلة شاملة، كشفت الشركة عن خطط لخفض نحو 8 آلاف وظيفة – أي ما يصل إلى 20% من القوة العاملة – بحلول 2026، لتوفير نحو 3 مليارات دولار.

إرث كاليفورنيا وانتقال السلطة إلى تكساس

لأكثر من قرن، كانت شيفرون رمزًا لثقافة العمل المتسامحة في كاليفورنيا، حيث عُرفت بيئة العمل فيها بأنها أكثر ودية من صرامة إكسون “التكساسية”. تأسست جذور الشركة عام 1876 مع أول بئر نفط ناجح في الولاية، وسرعان ما أصبحت أكبر رب عمل هناك، مؤثرةً في السياسة والمجتمع.

في التسعينيات، كانت شيفرون أول شركة نفط كبرى تضيف التوجه الجنسي إلى سياساتها للمساواة في التوظيف، وقدمت مزايا للشركاء من نفس الجنس، رغم معارضة بعض الولايات.

لكن هذه الروح تغيّرت تدريجيًا. فويرث، الذي قضى أكثر من 40 عامًا في الشركة، تولى منصب الرئيس التنفيذي عام 2018 بسمعة الرجل الحريص على خفض التكاليف، بعد أن قاد قطاع التكرير والبتروكيماويات لسنوات.

 

معركة “هيس” ونزاع غيانا

كانت صفقة هيس حاسمة لمستقبل شيفرون، إذ تمنحها حصة في واحد من أكبر اكتشافات النفط في العالم قبالة سواحل غيانا. غير أن إكسون، المالكة لـ45% من المشروع والمشغلة له، استخدمت حق الشفعة لعرقلة الصفقة.

استمر النزاع نحو عامين، فيما توقع محللون أن تقدم شيفرون تنازلات لتسريع التسوية. لكن الشركة تمسكت بموقفها، ولم تعد إلى طاولة المفاوضات حتى حُسم الخلاف عبر التحكيم لصالحها الشهر الماضي.

 

بإغلاق الصفقة، حصلت شيفرون على موطئ قدم في مشروع قد يصل إنتاجه اليومي إلى 1.2 مليون برميل بحلول 2027، وهو مكسب استراتيجي يقلص الفجوة مع إكسون.

 

تغيير العنوان… وتغيير النبرة

في خطوة رمزية وعملية، نقلت شيفرون مقرها من كاليفورنيا إلى هيوستن بولاية تكساس، لتقترب من قلب صناعة النفط الأمريكية، ولتنأى عن علاقة متوترة مع سلطات كاليفورنيا التي اتهمت شركات النفط برفع الأسعار واستهدفت تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.

 

لم تكتف الشركة بالانسحاب الجغرافي، بل شنت حملة علاقات عامة في محطات الوقود تحث المستهلكين على الضغط على المشرعين بشأن أسعار الوقود، بل وتبنت تسمية “خليج أمريكا” بدلًا من “خليج المكسيك” تماشيًا مع تصريحات الرئيس ترامب.

تحالفات سياسية وحضور دولي محفوف بالمخاطر

وطدت شيفرون علاقاتها مع إدارة ترامب، التي دعمت مواقف الصناعة ضد قوانين المناخ وتقييد التنقيب. وفي أمريكا الجنوبية، واصلت الشركة العمل في فنزويلا رغم العقوبات، مبررةً ذلك بأنه يمنع الصين وروسيا من ملء الفراغ.

في مايو، سحبت الإدارة ترخيص الشركة كجزء من الضغط على حكومة نيكولاس مادورو، لكنها أعادته بعد صفقة تبادل أسرى. وبحلول منتصف العام، كانت شيفرون تضخ نحو 300 ألف برميل يوميًا هناك، وحصلت مؤخرًا على الضوء الأخضر لتصدير جزء من الخام إلى الولايات المتحدة.

 

تحديات السوق وخطط المستقبل

رغم المكاسب، يواجه ويرث مهمة صعبة للحفاظ على ثقة المستثمرين، في ظل تقلص وزن قطاع الطاقة في مؤشر S&P 500 وتراجع أسعار النفط هذا العام بفعل مخاوف الركود التجاري وزيادة الإمدادات العالمية.

ويرى قادة شيفرون أن الاستحواذ على هيس سيضخ مليارات في التدفقات النقدية، لكنهم يقرون بأن الصفقة تستلزم قرارات قاسية وخفض نفقات، تشمل إلغاء مئات الوظائف في هيوستن.

 

كما يقول مارك نيلسون، نائب رئيس الشركة: “لا نريد الاكتفاء بخفض التكاليف، بل نريد تحسين الأداء عبر النظام بأكمله”.

اقرا ايضا

عمالة الإخوان للعدو: تظاهرات في تل ابيب تثير الغضب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى