الوكالات

شرخ في محور واشنطن–موسكو: غضب ترامب من بوتين يربك الحسابات الدولية

في تحول دراماتيكي قد يعيد تشكيل مواقف الولايات المتحدة تجاه الحرب في أوكرانيا، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غضبه العلني من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، معتبرًا أنه “يراوغ” و”يلقي الكثير من الهراء” على واشنطن. صحيفة الجارديان البريطانية تناولت هذه التطورات في تقرير مطول، مشيرة إلى أن ما وصفته سابقًا بـ”علاقة الود المشبوهة” بين الزعيمين قد تكون وصلت إلى مفترق طرق. وعلى الرغم من أن تصريحات ترامب لا تعني بالضرورة تغييرًا فوريًا في السياسات الأمريكية، فإنها تشكل لحظة مفصلية، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الأوروبية لتقديم دعم عملي أكبر لكييف. تأتي هذه التبدلات بعد شهور من محاولات وساطة قادها ترامب شخصيًا مع موسكو، قابلتها الأخيرة بمزيد من التصعيد العسكري في أوكرانيا. ويرى مراقبون أن هذا التحول، إن ثبت استمراره، قد يحمل تبعات كبيرة على موازين القوة في شرق أوروبا والسياسات الدولية تجاه الكرملين.

 

“لستُ سعيدًا ببوتين، أستطيع أن أقول ذلك الآن.”

كلمات بدت وكأنها إعلان عن لحظة فاصلة في العلاقة المثيرة للجدل بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي لطالما وُصفت بـ”التحالف الرمزي” أو “البِرُومانس السياسي” بين زعيمين استثنائيين في تقلباتهما ومواقفهما من الحروب والتحالفات الدولية.

لكن، وعلى الرغم من هذا الغضب الظاهر، لا تزال علامات الاستفهام تحوم حول ما إذا كانت خيبة الأمل المتزايدة لدى ترامب ستترجم فعليًا إلى دعم ملموس لأوكرانيا، أم أنها لحظة انفعالية أخرى في سجل العلاقات المعقدة بين واشنطن وموسكو في عهد ترامب.

ترامب وبوتين في قمة مجموعة العشرين في أوساكا، اليابان، عام ٢٠١٩. تصوير: ميخائيل سفيتلوف/جيتي إيماجز

من الانبهار إلى الانكسار: لحظة التحول المرتقبة؟

خلال الأشهر الماضية، بدا ترامب في حالة تقارب لافتة مع الكرملين، لدرجة أنه ضغط على كييف لتقديم تنازلات، ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ”الدكتاتور”، متهمًا إياه بسحب الولايات المتحدة إلى حرب خاسرة بتكلفة 350 مليار دولار.
لكن في تحول مفاجئ، خرج ترامب ليبدي امتعاضه من بوتين الذي وصفه بـ”اللطيف ظاهريًا لكن عديم الجدوى فعليًا”، مشيرًا إلى أن الوعود الروسية لم تعد تُقنعه.

يبدو أن صبر ترامب قد بدأ ينفد بعد فشل بوتين في الالتزام بوقف إطلاق نار اقترحته واشنطن وقبلته كييف، بينما واصل الجيش الروسي غاراته على الأراضي الأوكرانية.

تحولات أوروبا الناعمة تؤتي ثمارها

يرى مراقبون أن الدبلوماسية الأوروبية الصبورة، لاسيما من بريطانيا وفرنسا، بدأت تؤتي ثمارها، إذ ساهمت في زعزعة قناعة ترامب بجدوى التقارب مع بوتين. كما أن زيلينسكي، الذي يشارك في مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا في روما، قد يعتبر هذا التغير “انتصارًا دبلوماسيًا” في توقيت حرج.

وقد لعب قادة أوروبيون دورًا محوريًا في هذا التحول، من خلال مخاطبة ترامب بلغة تُرضي غروره، كما فعل الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، عندما لقّبه بـ”Daddy” خلال قمة الحلف في يونيو، ما اعتُبر تكتيكًا ذكيًا لدفع ترامب نحو مواقف أكثر اتزانًا تجاه روسيا.

أزمة ثقة داخل البيت الأبيض

المفاجآت لم تتوقف عند العلاقة مع بوتين، بل وصلت إلى داخل الإدارة الأمريكية. فقد تبيّن أن البنتاغون قام بحجب شحنة أسلحة مخصصة لأوكرانيا دون إبلاغ البيت الأبيض، وهو ما أغضب ترامب، وترك وزير الدفاع بيت هيغسث في موقف محرج خلال اجتماع علني.
هذا الكشف يعكس اضطرابًا في التنسيق داخل الإدارة الأمريكية نفسها بشأن الموقف من الحرب، ويعزز فكرة أن ترامب لم يعد يتسامح مع تجاوزات داخلية أو خارجية تمس صورته.

ترامب وزيلينسكي في المكتب البيضاوي في ٢٨ فبراير. تصوير: سول لوب/وكالة فرانس برس/صور جيتي

خلافات علنية واتهامات متبادلة

الخلافات لم تقتصر على الكواليس، بل ظهرت للعلن، كما حدث خلال المواجهة الحادة بين ترامب وزيلينسكي داخل المكتب البيضاوي في فبراير، والتي تلتها احتضان فوري من الملك تشارلز وزعيم المعارضة البريطانية كير ستارمر للرئيس الأوكراني في لندن، في رسالة تضامن ضد “التنمر الدبلوماسي الأمريكي”.

وفي الوقت نفسه، واصلت موسكو التشفي من الانقسام الغربي، حيث علّقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية على المشادة بالقول إن “قدرة ترامب على كبح نفسه وعدم ضرب هذا النذل تُعد معجزة”.

واشنطن على مفترق دعم أوكرانيا

التحول الحاسم في الموقف الأمريكي لن يُقاس بالكلمات وحدها، بل بالأفعال. وهنا، يترقب حلفاء أوكرانيا قرار ترامب بشأن حزمة عقوبات ضخمة مقترحة من السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، تستهدف دولًا تواصل شراء الغاز والنفط واليورانيوم الروسي، وتهدف إلى خنق اقتصاد موسكو.

لكن المعضلة أن تلك العقوبات قد تطال دولًا أوروبية حليفة لا تزال تعتمد جزئيًا على الطاقة الروسية. لذا يسعى دبلوماسيون، مثل السفير البريطاني لدى واشنطن بيتر ماندلسون، لتعديل الصيغة وتجنب “إصابة الأصدقاء بالنيران الصديقة”.

الفوضى الدبلوماسية تكشف ثغرات خطيرة

أبرز ما كشفته هذه التحولات هو عمق الفوضى داخل السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب. فالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أظهر جهلًا لافتًا بتاريخ أوكرانيا وميولًا علنية للتعاطف مع موسكو، حتى أنه شبه احتلال أوكرانيا باحتلال غزة في تصريحات مثيرة للجدل.

ويتكوف لم يكتفِ بذلك، بل سلّم بوتين لوحة يظهر فيها ترامب دامٍ ومقبوض اليد، بعد محاولة اغتياله العام الماضي، ما زاد من حرج الموقف الأمريكي أمام الحلفاء الأوروبيين.

لم يكن ترامب سعيدًا عندما اتضح أن البنتاغون يحجب أسلحةً مخصصةً لأوكرانيا، ولم يُبلغ أحدٌ البيت الأبيض بذلك. بدا بيت هيجسيث منزعجًا. الصورة: أباكا/شاترستوك

بوتين يُضيّع اللحظة

ورغم محاولات بوتين الحفاظ على شعرة معاوية مع ترامب، إلا أن تشبثه بالحرب ورفضه وقف إطلاق النار أضعف موقفه حتى لدى أقرب الحلفاء.
في 4 يوليو، وخلال مكالمة هاتفية متوترة بين الزعيمين، أوضح الكرملين أن روسيا “لن تتراجع عن أهدافها”، في إشارة إلى استمرارها في استهداف المدن الأوكرانية.

ومع أكثر من 20 ألف هجوم بطائرات مسيرة نفذتها روسيا هذا العام فقط، وفق تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، بات من الصعب تجاهل الكلفة الإنسانية والسياسية للصمت الأمريكي.

إلى أين تتجه العلاقة الثلاثية: ترامب، بوتين، زيلينسكي؟

في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأكبر: هل وصل ترامب فعلًا إلى لحظة القطيعة مع بوتين؟
وإذا صح ذلك، فهل يتحول إلى شريك حقيقي في دعم أوكرانيا، أم أن الأمر لا يتعدى انفعالًا عابرًا في مسيرة سياسية تتقلب كما الطقس؟
الأسابيع المقبلة ستكشف إن كان الغضب سيتحول إلى سياسة، أم يبقى مجرد مشهد آخر في مسرح ترامب

إقرأ ايضَا:

عشرون عامًا بعد هجمات 7/7: مسلمو بريطانيا بين الألم والعزلة المتزايدة

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى