عربي وعالمي

أزمة دبلوماسية وصناعية: تداعيات مداهمة “آيس” لعمال كوريين في الولايات المتحدة

في تطور دراماتيكي يهدد العلاقات الأمريكية – الكورية الجنوبية، نفذت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) أكبر مداهمة من نوعها في تاريخ وزارة الأمن الداخلي، أسفرت عن اعتقال نحو 475 عاملاً – بينهم 300 مواطن كوري جنوبي – في موقع إنشاء مصنع ضخم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بولاية جورجيا. المداهمة، التي جاءت بينما تسعى واشنطن لجذب استثمارات أجنبية في صناعات الطاقة النظيفة، سلطت الضوء على التناقض الصارخ بين خطاب إدارة ترامب حول تشجيع الاستثمار وبين سياساته المتشددة تجاه الهجرة.

بالنسبة لسول، تشكل القضية أزمة وطنية تمس صورة البلاد في الخارج، لاسيما أن المعتقلين يعملون في مشروع استثماري مشترك بين “هيونداي” و”إل جي إنرجي سولوشن”، يمثل أكبر استثمار صناعي في تاريخ جورجيا. الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ أمر بـ”جهود شاملة” لمعالجة الموقف، فيما أعلن وزير الخارجية استعداده للسفر إلى واشنطن إذا لزم الأمر.

القضية لا تتوقف عند البعد الإنساني للعمال المحتجزين، بل تمتد إلى أبعاد سياسية واقتصادية واستثمارية معقدة: من مستقبل الاستثمارات الكورية في الولايات المتحدة، إلى اختبار صلابة التحالف بين واشنطن وسول، في وقت حساس تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة مع كوريا الشمالية والصين.

أكبر مداهمة في تاريخ وزارة الأمن الداخلي

العملية التي نفذتها الـ ICE، بمشاركة الـ FBI وهيئات فيدرالية أخرى، وُصفت بأنها الأكبر منذ تأسيس وزارة الأمن الداخلي بعد هجمات 11 سبتمبر. المداهمة لم تقتصر على ضبط “مخالفين لقوانين العمل والإقامة” بل أوقفت فعليًا مشروعًا استثماريًا حيويًا كان يُنتظر أن يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر آلاف الوظائف. هذا التناقض أثار تساؤلات حول مدى عقلانية السياسات الأمنية الأمريكية في مواجهة مصالحها الاقتصادية.

استنفار سياسي ودبلوماسي في كوريا الجنوبية

رد سول كان سريعًا وحادًا. الرئيس لي جاي ميونغ طالب بتسخير كل الإمكانات لحماية مواطنيه، فيما أنشأت وزارة الخارجية خلية أزمة وأرسلت مسؤولين للتواصل مع واشنطن. تصريحات وزير الخارجية عن “شعوره بالمسؤولية الثقيلة” تعكس حجم الصدمة التي أحدثتها المداهمة، خاصة أنها طالت مواطنين يعملون في مشاريع استثمارية شرعية، ما يجعل الأمر في نظر الكوريين يتجاوز قضية هجرة إلى انتهاك لمكانة بلادهم كحليف استراتيجي.

تداعيات على مجموعة هيونداي وLGES

شركة “إل جي إنرجي سولوشن” أعلنت تعليق سفر موظفيها إلى الولايات المتحدة فورًا، وطلبت من المتواجدين العودة إلى كوريا. كما توجه أحد كبار التنفيذيين إلى أمريكا لمتابعة الأزمة عن قرب. المشروع المشترك بقيمة 4.3 مليار دولار، جزء من خطة استثمارية أوسع تبلغ 12.6 مليار دولار، مهدد الآن بتأخير خطط التشغيل المقررة نهاية العام، وربما بفقدان ثقة الشركات الكورية في البيئة الأمريكية.

ضربة لصورة الولايات المتحدة كوجهة استثمارية

كانت جورجيا تسوّق للمشروع على أنه “أكبر استثمار صناعي في تاريخ الولاية” ورافعة لاقتصادها المحلي. المداهمة قلبت هذه الصورة رأسًا على عقب، حيث أظهرت للمستثمرين أن السياسات المتشددة تجاه العمالة المهاجرة قد تعصف بمشاريع استراتيجية، حتى لو كانت جزءًا من شراكات رسمية مع شركات كبرى. هذه المفارقة قد تجعل بعض المستثمرين الأجانب يعيدون حساباتهم بشأن ضخ أموال في السوق الأمريكية.

البعد السياسي في الداخل الأمريكي

المداهمة تزامنت مع تصاعد خطاب ترامب حول “ترحيل أسوأ المجرمين”، رغم أن الأرقام تشير إلى تزايد اعتقال أشخاص غير متورطين بجرائم. هذه السياسات تُظهر أن حملات الترحيل قد تحولت إلى أداة سياسية أكثر من كونها أداة أمنية، خاصة أنها تضر بقطاعات صناعية تعتبر ركيزة لخطط أمريكا في الطاقة النظيفة والتحول الاقتصادي.

التوترات في العلاقات الأمريكية – الكورية

القضية تهدد بزيادة التوترات بين واشنطن وسول، خصوصًا بعد الخلافات التجارية حول تفاصيل استثمارات بقيمة 350 مليار دولار. كوريا الجنوبية التي التزمت بضخ 150 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك 26 مليارًا من “هيونداي”، ستنظر إلى هذه المداهمة كصفعة سياسية تهدد الثقة المتبادلة.

البعد الإنساني ومعاناة العمال المحتجزين

وراء الأرقام الباردة، هناك مئات العمال الذين وجدوا أنفسهم فجأة خلف القضبان، بعضهم بعد سنوات من العمل في الولايات المتحدة. احتجازهم في مركز “فولكستون” بجورجيا أثار مخاوف حقوقية بشأن ظروف الاحتجاز والتعامل مع أسرهم. مشاهد الفوضى التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي زادت من غضب منظمات حقوق المهاجرين، التي رأت في العملية انتهاكًا لحقوق إنسانية أساسية.

مستقبل الاستثمارات الكورية في أمريكا على المحك

إذا لم تُحل الأزمة بسرعة وبطريقة تحفظ ماء الوجه لسول، فقد تتجه الشركات الكورية لإعادة النظر في التوسع داخل السوق الأمريكية. من المحتمل أن تفضل بيئات استثمارية أكثر استقرارًا مثل أوروبا أو جنوب شرق آسيا. وفي هذه الحالة، لن تكون الخسارة على كوريا فقط، بل ستخسر واشنطن أيضًا أحد أهم شركائها في قطاع السيارات والطاقة النظيفة.

اقرا ايضا

تقرير تحليلي: مهمة سرية فاشلة تكشف الوجه الخفي لصراع أمريكا وكوريا الشمالية 

نيرة احمد

نيرة أحمد صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى