غزة بين الركام وخطط الإعمار: جرح مفتوح منذ عامين

بعد عامين من حرب متواصلة بدأت بهجوم حماس في أكتوبر 2023 وما تبعها من حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة، يعيش أكثر من 2.1 مليون فلسطيني في قطاع غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة. في مخيم الشاطئ غرب غزة، تروي الشاعرة فداء زياد كيف صمدت أيامًا تحت القصف قبل أن تُجبر على النزوح جنوبًا مع آلاف المدنيين. كلماتها تجسد صورة أوسع لمجتمع أنهكته الغارات والدمار، وحياة يومية فقدت أبسط مقوماتها. ورغم الحديث الدولي عن خطط لإعادة الإعمار، يبقى السؤال الأعمق لدى سكان القطاع: هل يمكن لمدينة تحولت إلى أنقاض أن تستعيد روحها وكرامتها؟
حجم الدمار
بحسب تقديرات الأمم المتحدة، نحو 78% من المباني في غزة تضررت، فيما دُمّر أكثر من نصفها بشكل كامل. الجامعات أُبيدت والمدارس خرجت من الخدمة، ليجد آلاف الطلاب أنفسهم محرومين من التعليم للعام الثاني. شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي انهارت، تاركة السكان بلا خدمات أساسية. أما القطاع الزراعي فقد تعرض لتخريب واسع، حيث صارت معظم الأراضي ضمن مناطق عسكرية أو غير صالحة للزراعة. النتيجة أن غزة اليوم أقرب إلى مدينة أشباح تعيش على المساعدات المؤقتة، في وقت تتراكم فيه ملايين الأطنان من الركام الذي يعيق أي عملية إنعاش للحياة.
الخطة الأميركية لما بعد الحرب
في محاولة لرسم مخرج سياسي، طرحت الولايات المتحدة خطة لوقف إطلاق النار تتضمن نزع سلاح حماس، ومنح العفو أو المنفى لمقاتليها، إضافة إلى تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة الشؤون اليومية تحت إشراف “مجلس سلام” دولي. الخطة تنص على انسحاب إسرائيلي تدريجي مع الإبقاء على منطقة عازلة على حدود غزة. ورغم أن إسرائيل وعددًا من الدول العربية أبدوا تأييدهم للمبادرة، لم تُعلن حماس موقفها الرسمي بعد. في المقابل، وصفت منظمات فلسطينية الخطة بأنها مليئة بالإشكالات لكنها تظل “نافذة أمل” لوقف نزيف الدم.
تحديات إنسانية وإعمار مكلف
وفق تقرير للبنك الدولي، تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة حتى أكتوبر 2024 نحو 53 مليار دولار، مع توقعات بارتفاع كبير لهذا الرقم. قبل أي بناء جديد، تحتاج غزة إلى إزالة أكثر من 54 مليون طن من الركام، وهي مهمة تتطلب سنوات من العمل. في المخيمات المنتشرة على طول القطاع، يعيش السكان في ظروف مأساوية تفتقر إلى المياه الجارية والخدمات الصحية. الأمم المتحدة حذرت مؤخرًا من مجاعة بدأت ملامحها بالظهور في غزة سيتي، مع مخاطر انتشارها إلى مناطق أخرى، مما يجعل المستقبل الإنساني أكثر قتامة.
المخاوف الفلسطينية
وسط استمرار النزوح والدمار، يتزايد القلق بين الفلسطينيين من أن الهدف الحقيقي للحرب هو إحداث تغيير ديموغرافي تحت شعار “الهجرة الطوعية”. الناشط أمجد شوا عبّر عن هذه المخاوف بقوله: “نحن لا نُقتلع مؤقتًا فقط، بل يُراد قطع جذورنا عن أرضنا”. هذه المخاوف تتقاطع مع انعدام الثقة في المبادرات الدولية، حيث يخشى كثيرون أن تتحول غزة إلى كيان معزول هش، بلا قدرة على استعادة مؤسساتها أو ضمان عودة سكانها المهجرين إلى بيوتهم المدمرة.
الخسائر البشرية والسياسية
حصيلة الحرب جاءت كارثية: أكثر من 66 ألف قتيل فلسطيني بحسب السلطات الصحية في غزة. على الجانب الإسرائيلي، أسفر هجوم حماس في أكتوبر 2023 عن مقتل 1,200 شخص وأسر 250، لا يزال 48 منهم محتجزين ويُعتقد أن 20 فقط على قيد الحياة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برر استمرار الحملة بأنها “محاولة لاقتلاع نظام حماس الإرهابي” عبر تدمير أنفاقه وبناه التحتية. لكن مع كل يوم يمر، تتعمق الجروح السياسية والإنسانية في منطقة يزداد مستقبلها غموضًا.
غزة بين الحلم والهاوية
القطاع اليوم يقف على مفترق طرق غير مسبوق: بين واقع مدمر يطحن السكان ويهدم حياتهم اليومية، وبين خطط دولية ما زالت حبيسة الورق. ورغم أن الحديث عن إعادة إعمار غزة يطفو في المحافل السياسية، إلا أن حجم الدمار يجعل من هذا الهدف أقرب إلى حلم بعيد المنال. ومع استمرار الحرب والنزوح، يتبقى لسكان القطاع سؤال واحد يلاحقهم: هل سيُكتب لغزة أن تنهض من جديد، أم أن مصيرها هو الغرق في دوامة الانهيار المستمر؟