الظلام يبتلع كييف.. هجوم روسي يضرب قلب أوكرانيا ويشعل حرب الطاقة مجددًا

في تصعيد جديد يعيد مشاهد الشتاء القاتم في أوكرانيا، تعرضت العاصمة كييف فجر الجمعة لهجوم روسي “ضخم وممنهج” استهدف البنية التحتية للطاقة، ما تسبب في انقطاع واسع للكهرباء وسقوط عشرات الجرحى. ووصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الضربات بأنها “هجوم ساخر ومدروس” يهدف إلى كسر صمود الشعب الأوكراني مع اقتراب موسم البرد. وقال إن موسكو تحاول “زرع الفوضى وممارسة الضغط النفسي”، داعيًا الغرب إلى التحرك السريع لدعم أنظمة الدفاع الجوي وتطبيق العقوبات على روسيا، محذرًا من أن البنية التحتية للطاقة تواجه واحدة من أعنف الموجات الهجومية منذ اندلاع الحرب.
كييف تحت النار.. والمدينة تغرق في العتمة
قال رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو إن الهجوم الروسي استهدف “البنى التحتية الحيوية” للعاصمة، مشيرًا إلى أن شظايا الطائرات المسيّرة سقطت على عدد من الأحياء، ما تسبب بحرائق ضخمة في مبانٍ سكنية. وانتشرت على مواقع التواصل مقاطع تُظهر رجال الإطفاء يكافحون ألسنة اللهب في عمارات متعددة الطوابق وسط انقطاع كامل للتيار الكهربائي.
ووفق سلاح الجو الأوكراني، فقد أطلقت روسيا 465 طائرة مسيّرة و32 صاروخًا خلال الليل، أسقطت الدفاعات الأوكرانية 405 طائرات منها و15 صاروخًا. وأكدت السلطات أن أكثر من 20 شخصًا أُنقذوا من مبنى مؤلف من 17 طابقًا اشتعلت فيه النيران، بينما نُقل خمسة مصابين إلى المستشفى، وتلقّى آخرون العلاج الميداني.
من كييف إلى زابوروجيا.. الهجمات تطال الأطفال والبنية التحتية
امتدت الهجمات الروسية لتطال مناطق أخرى من البلاد، حيث أعلنت السلطات في جنوب شرق أوكرانيا مقتل طفل يبلغ من العمر سبع سنوات وإصابة ثلاثة آخرين في محافظة زابوروجيا إثر ضربات ليلية بطائرات مسيّرة. وأشارت رئيسة الوزراء يوليا سفيريدينكو إلى أن الهجوم الأخير يعدّ من “أضخم الضربات المركزة” على منشآت الطاقة منذ بداية الحرب، مؤكدة وقوع أضرار “بالغة الخطورة” في شبكات الكهرباء. كما أفاد حاكم منطقة كييف، ميكولا كالاشنيك، بأن أكثر من 28 ألف أسرة ما زالت محرومة من الكهرباء، وأن فرق الطوارئ تنتظر تحسّن الأوضاع الأمنية للبدء بأعمال الصيانة وإعادة التيار إلى المناطق المتضررة.
موسكو تكثّف قصفها… وكييف تردّ داخل الأراضي الروسية
تزامنًا مع الضربات الجوية على كييف، كثّفت موسكو هجماتها على منشآت الطاقة وشبكات السكك الحديدية الأوكرانية، في خطوة تذكّر بالشتاءات الثلاثة الماضية التي عاشها الأوكرانيون دون تدفئة تحت درجات حرارة متدنية. وقال زيلينسكي إن الهجمات الروسية هذا العام “أرهقت منظومة الغاز الأوكرانية”، وإن استمرارها قد يجبر البلاد على زيادة واردات الطاقة من الخارج. في المقابل، شدد على أن الهجمات الأوكرانية المضادة داخل الأراضي الروسية “بدأت تؤتي نتائج ملموسة”، حيث تسببت في ارتفاع أسعار الوقود في روسيا وانقطاع الكهرباء عن مناطق حدودية، أبرزها مقاطعة بيلغورود، التي استهدفتها كييف بضربة دقيقة على محطة توليد كهرباء.
اتهامات متبادلة وتسريبات غاز سام قرب الجبهة
اتهم الكرملين أوكرانيا بتفجير أنبوب لنقل الأمونيا بالقرب من خط الجبهة، وهو خط أنابيب كان يستخدم لتصدير المادة الكيميائية نحو الأراضي الأوكرانية. وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها موسكو سحبًا من الغاز الأبيض تتصاعد من باطن الأرض، فيما قللت سلطات دونيتسك من المخاطر، مؤكدة أن الحادث “لا يشكل تهديدًا لحياة المدنيين”. وتزامنت هذه التطورات مع تصاعد التحذيرات الدولية من أن استمرار القصف المتبادل على منشآت الطاقة قد يدفع بأوروبا إلى مواجهة أزمة إمدادات جديدة هذا الشتاء، في ظل سباق متسارع بين موسكو وكييف للسيطرة على شريان الطاقة الإقليمي.
http://https://youtu.be/1zmnbNg6SyI
أوكرانيا تصمد… والشتاء يقترب
رغم حجم الدمار الذي خلّفه الهجوم، أكد زيلينسكي أن بلاده “لن تنكسر”، مشيرًا إلى أن عزيمة الأوكرانيين تزداد كلما حاولت موسكو إخضاعهم. ودعا مجددًا الحلفاء الغربيين إلى تسريع الدعم العسكري، خصوصًا أنظمة الدفاع الجوي، قائلاً إن “البيانات والتصريحات لا توقف الصواريخ”. ومع اقتراب موسم التدفئة، تبدو أوكرانيا أمام اختبار جديد لصمودها في وجه حرب طاقة تستهدف إرادتها أكثر مما تستهدف منشآتها. وبينما تتواصل موجات القصف المتبادل، تبقى كييف عنوانًا لمعركة تتجاوز حدودها الجغرافية إلى مواجهة عالمية بين البقاء والانكسار.



