حرب ترامب على «العدو الداخلي».. جيش قوي على الورق.. هش في الميدان

بينما يرفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعار «استعادة مجد أمريكا العسكري»، تتسع دائرة القلق داخل الأوساط العسكرية من تحول نوعي في طبيعة مهام الجيش الأمريكي. تحت أضواء حاملة الطائرات وخلفه أسراب الطائرات المسيرة، أعلن وزير الحرب بيت هيغسث خططًا لإلغاء البيروقراطية وتوسيع الهيمنة الأمريكية في مجال الطائرات بدون طيار والتقنيات الحديثة. لكن خلف تلك الاستعراضات القوية، تكمن توجهات جديدة تقضي بتوجيه الجيش نحو الداخل أكثر من الخارج. فبدل التركيز على التهديدات الخارجية التقليدية، يتحدث ترامب عن «غزو داخلي» يجب مواجهته عبر مهام مكافحة المخدرات وإنفاذ قوانين الهجرة واحتواء الاضطرابات في المدن، ما ينذر بجيش منشغل بالسيطرة على الداخل بدل الاستعداد لحروب المستقبل.
الثمن الخفي لانشغال الجيش بالداخل
تحويل القوات المسلحة من مهام الردع والدفاع الخارجي إلى أدوار داخلية يفرض تكلفة عالية على جاهزيتها القتالية. فالتدريبات على ضبط الشغب أو التعامل مع المدنيين لا تُعدّ بديلًا عن التدريب على التكتيكات القتالية المعقدة أو إدارة أنظمة الطائرات المسيرة في بيئات الحرب الحديثة. الدراسات العسكرية تؤكد أن مثل هذا التحول يقلص الوقت المتاح للتمارين التي تُعِدّ الجنود لمعارك محتملة في المحيط الهادئ أو في فضاءات الحرب الإلكترونية. ومع مرور الوقت، تتآكل القدرات الميدانية لصالح مهارات شرطية لا تُستخدم في مواجهة خصوم خارجيين، ما يحول جيشًا عالميًا إلى قوة أمن داخلي محدودة التأثير خارج حدوده.
السياسة تُقيد التطوير العسكري
رغم سعي المؤسسة العسكرية إلى تحديث قدراتها وتكثيف تدريباتها التقنية، تعيقها التدخلات السياسية والولاءات الشخصية التي تغل يد القادة عن اتخاذ قرارات مستقلة. فالتجارب التاريخية تظهر أن الجيوش التي خضعت لتدخل سياسي مفرط فقدت مرونتها وابتكارها، ما جعلها أقل كفاءة في الحروب الحقيقية. اليوم، ومع تصاعد الولاءات لترامب داخل البنتاغون، تتقلص مساحة التجريب والتطوير خوفًا من الاصطدام بالتوجهات السياسية. هذه العقلية تعيد إنتاج مركزية القرار والبيروقراطية المفرطة، فتتحول مؤسسات يفترض أن تكون ديناميكية إلى كيانات جامدة بطيئة الاستجابة، غير قادرة على التكيف مع واقع حروب المستقبل التي تتطلب سرعة ومبادرة أكثر من الأوامر والتبعية.
الولاءات قبل الكفاءات.. وصفة الفشل العسكري
عندما تُمنح المناصب العليا على أساس الولاء الشخصي لا الكفاءة المهنية، تصبح المؤسسة العسكرية أقل قدرة على مواجهة التحديات التقنية والعملياتية. تعيين قيادات لا تمتلك خبرة كافية في تشغيل أنظمة متقدمة مثل الدفاعات الجوية أو الأسلحة الذكية يؤدي إلى انهيار في سلسلة الكفاءة. كثير من الجيوش التي اتبعت هذا النهج تحولت إلى مؤسسات تعاني من خلل دائم في الصيانة والتدريب، رغم امتلاكها معدات حديثة. في النموذج الأمريكي الحالي، يبدو أن الولاء السياسي بدأ يطغى على معايير الجدارة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على فاعلية الجيش، محولًا قوته التكنولوجية إلى عبء إذا لم تُدار باحترافية وخبرة حقيقية.
الديمقراطية تصنع جيوشًا أكثر قوة
تاريخيًا، الدول الديمقراطية التي تفصل بين القيادة السياسية والعسكرية وتمنح جيوشها استقلالية مهنية تحقق أداءً أفضل في النزاعات الدولية. فوجود قيادة عسكرية حرة التفكير تسمح بالمبادرة والإبداع الميداني يرفع مستوى الكفاءة العملياتية. في المقابل، الجيوش التي تُستخدم كأدوات للسيطرة الداخلية تخسر تدريجيًا قدرتها على الردع الخارجي. الديمقراطية ليست فقط نظام حكم، بل أيضًا بنية تسمح ببناء مؤسسات قوية قادرة على التقييم الذاتي والابتكار. الولايات المتحدة إن استمرت في تحويل جيشها إلى ذراع سياسية داخلية، ستفقد ميزة كانت يومًا مصدر تفوقها: جيش مستقل يُقاتل من أجل الدولة، لا من أجل الحاكم.
جيش متطور تكنولوجيًا.. لكنه بلا روح قتالية
قد تنجح إدارة ترامب في بناء جيش يمتلك أحدث الطائرات المسيرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، لكن من دون بيئة تدريب حقيقية وقيادة مستقلة، سيظل هذا التفوق التقني سطحيًا. جيش منضبط بالولاء السياسي لا بالاحتراف العسكري يفقد سرعان ما يميزه في المعارك الخارجية. الخطورة تكمن في أن يتحول إلى قوة مثالية للسيطرة على الداخل وقمع المواطنين، لكنه هش في مواجهة خصومه الخارجيين. وهكذا، يُخشى أن تستبدل أمريكا هيمنتها العالمية بعسكرة داخلية تضعفها أكثر مما تحميها.



