ستارمر والشركات الكبرى: عندما تُكتب القوانين بيد الرأسمال
قانون الكارثة البيئية: كيف يمحو حزب العمال إرث إنجلترا الطبيعي؟

لطالما اعتاد المدافعون عن الحياة البرية على مواجهة قوانين سيئة، لكن مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية الجديد الذي تطرحه الحكومة البريطانية يفوق كل ما سبق من سوء. فهو لا يمثل مجرد تراجع في حماية الطبيعة، بل يعد أكبر انتكاسة بيئية تشهدها إنجلترا في الذاكرة الحية. هذا المشروع لا يكتفي بتقويض التشريعات الحالية، بل يمحو تراكمات عقود من الحماية البيئية، بما في ذلك القوانين التي كانت قد انتقلت من الاتحاد الأوروبي، والتي التزمت حتى حكومات المحافظين السابقة بالحفاظ عليها. وفقًا لتقرير الجارديان
نهاية منظومة التدرج البيئي
حتى الآن، كانت التشريعات تلزم المطورين باتباع تسلسل واضح يُعرف بـ”تدرج التخفيف البيئي”: تجنب، تقليل، تخفيف، تعويض. الهدف كان واضحًا: تقليل الأضرار إلى أدنى حد، والسعي لاستعادة ما تم فقدانه، واللجوء للتعويض فقط كخيار أخير. غير أن القانون الجديد يقفز مباشرة إلى الخيار الأخير، مبيحًا للمطورين تدمير المواطن الطبيعية مقابل دفع رسم يسمى “رسم استعادة الطبيعة”. والأسوأ من ذلك أن القانون يسمح بتجاهل أي أثر بيئي لهذا التدمير بمجرد دفع الرسم.
طبيعة غير قابلة للتعويض… لكنها الآن سلعة
تعجز إجراءات “التعويض” البيئي عن استبدال بعض الأنظمة البيئية مثل الغابات القديمة والمروج النادرة والجداول الطباشيرية. إلا أن القانون الجديد يتعامل معها كسلع قابلة للاستبدال، ويكفي أن يزرع المطورون أشجارًا صغيرة في أنابيب بلاستيكية ليزعموا أنهم قاموا بـ”تحسين عام” في الغطاء الحرجي. والأدهى أن التشريع الجديد يزيل حتى إلزامية إجراء مسوحات بيئية للمواقع قبل تطويرها، مما يجعل من الصعب معرفة ما يتم تدميره فعليًا أو محاسبة أي جهة على جرائم بيئية.
لا عقوبات… لا ردع
حتى في حال تبيّن لاحقًا أن الضرر البيئي هائل، لا يمكن رفع رسم التعويض إلى مستوى يُضعف جدوى المشروع اقتصاديًا. بهذه الطريقة، يحصن القانون أرباح المطورين على حساب الطبيعة، ويزيل أي دافع لتجنب تدمير المواطن النادرة. باختصار، تم تقنين الاستنزاف البيئي وحمايته بقوة القانون.
من يدفع الثمن؟ المواطن، دائمًا
أحد الآثار الجانبية المتوقعة هو تآكل المساحات الخضراء الحضرية. فبينما تكون أراضي المدن باهظة الثمن، فإن الأراضي الزراعية أرخص بكثير، ما سيدفع المطورين لتدمير المواطن الحضرية وتعويضها بمشاريع ريفية وهمية. وقد أظهرت دراسات تمتد لثلاثة عقود أن لهذا التحول آثارًا جسيمة على صحة الناس النفسية والجسدية. يشبه ذلك ما رأيناه مع سياسات التقشف: لا توفر المال بل تنقل العبء من الأغنياء إلى الفقراء، ومن القطاع الخاص إلى الدولة.
إقصاء الخبراء وإسكات الأصوات المهنية
أشارت مذكرة نادرة اللهجة من المعهد الملكي لعلم البيئة والإدارة البيئية إلى أن الحكومة تجاهلت بالإجمال آراء الهيئات المهنية والخبراء والمنظمات البيئية في صياغة القانون. وأكدت أن العملية افتقرت إلى الشفافية والتقييم القائم على الأدلة العلمية. هذا الإهمال، وفقًا للمعهد، ليس مجرد إخفاق إداري، بل تهور غير مقبول.
ستارمر وتصريحات لا يجب قولها
ما يثير الدهشة أن زعيم حزب العمال كير ستارمر لم يُخفِ مصدر الإلهام لهذا القانون الكارثي؛ إذ أعلن بصراحة أن هجومه على التشريعات البيئية جاء نتيجة “محادثاته مع كبار المديرين التنفيذيين”. في العادة، يُفترض بالسياسيين إخفاء مثل هذه الدوافع، إذ يُفترض أن يمثلوا إرادة الناس، لا مصالح الشركات. ومع ذلك، يبدو أن ستارمر وقع في فخ السذاجة السياسية، مكررًا ادعاءات الشركات كما لو كانت حقائق لا تقبل الجدل.
وعود انتخابية تتلاشى في الهواء
تعهد حزب العمال في بيانه الانتخابي بـ”حماية واستعادة الطبيعة” و”تسريع بناء المساكن دون إضعاف الحماية البيئية”. ولكن، وعلى أرض الواقع، لا يتم فقط إضعاف هذه الحماية بل إلغاؤها بالكامل. يشبه هذا القانون إلى حد بعيد التشريعات المناهضة للاحتجاجات التي طرحتها الحكومة مؤخرًا، والتي جاءت كمضاعفة لإجراءات حزب المحافظين القمعية.
إن كل ما في هذا القانون يؤكد أن الحزب الحاكم الذي يُفترض أنه بديل تقدمي –قد اختار الانحياز للشركات على حساب الطبيعة والمجتمعات. وإذا تم إقراره، فسيترك وراءه إرثًا قاتمًا من الخراب البيئي، وخسارة لما تبقى من جمال إنجلترا الطبيعي.