تصريحات رسمية عن تراجع الأسعار.. وواقع يومي يكشف عكس ذلك
مقارنة الأسعار في يوليو.. هل المواطن يشعر بثمار الإصلاح؟

رغم التصريحات الحكومية المتكررة حول انخفاض نسبي في أسعار بعض السلع الأساسية، إلا أن واقع الأسواق يحكي قصة مختلفة، حيث يؤكد مواطنون من مختلف المحافظات أن الغلاء لا يزال يحاصرهم، وأن الأجور لا تكفي لتغطية احتياجاتهم اليومية، ناهيك عن الأزمات المرتبطة بتجهيز البنات للزواج، وارتفاع أسعار الأجهزة المنزلية بشكل غير مسبوق.
في تقرير ميداني يرصد أوضاع الأسعار في الأسواق المصرية خلال يوليو 2025 مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، نستعرض آراء مواطنين من فئات اجتماعية مختلفة حول ما إذا كانوا يشعرون بتحسّن في الأحوال المعيشية فعلاً، أم أن المؤشرات الإيجابية لم تصل بعد إلى موائد بيوتهم.

حركة الأسعار بين 2024 و2025
انخفاضات محدودة في بعض السلع.. واللحوم لا تزال نار
تشير البيانات إلى أن أسعار بعض السلع شهدت تغيرات طفيفة خلال العام الأخير. فمثلاً، انخفض سعر كيلو الأرز من نحو 30 إلى 41 جنيهًا في يوليو 2024، ليصل في يوليو 2025 إلى ما بين 24.5 و36 جنيهًا حسب النوع والجودة. أما سعر لتر زيت عباد الشمس فظل مستقرًا تقريبًا، حيث تراوح بين 89 و90 جنيهًا في 2024، ووصل إلى نحو 78 إلى 90 جنيهًا هذا العام. وفيما يخص السكر، فقد استقر السعر عند مستوى يقارب 36 جنيهًا للكيلو، مع انخفاض طفيف في 2025 إلى نحو 35.8 جنيهًا.
بالنسبة للدواجن، فقد كانت تُباع في الأسواق بسعر يتراوح بين 75 و90 جنيهًا للكيلو في 2024، بينما تراوحت هذا العام بين 73 و78 جنيهًا، مع سعر أقل في المزارع. أما أسعار اللحوم، فقد ظلت مرتفعة، إذ سجلت اللحوم البلدي في 2024 أسعارًا تتراوح بين 300 و470 جنيهًا للكيلو، وفي 2025 بلغت الأسعار ما بين 370 و395 جنيهًا، حسب نوع القطعة.
رغم هذه التراجعات، يرى مواطنون أن التأثير الفعلي محدود ولا ينعكس على معيشتهم اليومية، في ظل ارتفاع أسعار أخرى لم تدخل في حسابات الحكومة.
شهادات حيّة من الشارع المصري
رباب: “ولا فرق بين السنة دي واللي فاتت”
“بصراحة، مش شايفة فرق بين الأسعار السنة دي والسنة اللي فاتت، دي بالعكس حسيت إنها زادت. بنتي في أولى جامعة وبتحتاج كل يوم حوالي 200 جنيه للمواصلات والمصاريف، وعندي بعدها تلات ولاد في التعليم، وجوزي موظف في وزارة الري، والمرتب مش مكفينا خالص.”
وتكمل: “يعني لما يقولوا الأسعار نزلت جنيه ولا اتنين، طب وبعدين؟! الطماطم كنا بنجيبها زمان بنص جنيه، دلوقتي بعشرة. في فاكهة مبقتش بدخلها البيت خالص، ومبقولش لولادي إنها موجودة في السوق أصلاً علشان ما يطلبوهاش. حتى الفراخ اللي كنا بنشتريها كل أسبوع، بقينا نجيب سمك، وساعات ولا حاجة.”
وتختم: “لو كل اللي حصل إننا بس اتعودنا نفسيًا إن الأسعار نار، يبقى دا مش إصلاح. إحنا بنتعب كل يوم أكتر من اللي قبله.”
شيماء: “الـ28 ألف كانوا جهاز كامل.. دلوقتي يجيبوا تلاجة؟”
“أنا جوزت بنتي الكبيرة من تلات سنين بـ28 ألف جنيه، كنا جايبين بيهم كل الأجهزة والمفروشات. دلوقتي الـ28 ألف ما يجيبوش تلاجة! بحاول أجهز بنتي التانية، بس الأسعار نار، وجوزي شغال أرزقي، يعني مفيش شغلانة ثابتة ولا دخل مضمون. بجد إحنا في أزمة.”
وتضيف: “الغلاء مش بس في الأكل، ده في كل حاجة: اللبس، المفروشات، أدوات المدرسة، حتى فواتير الكهربا بقت نار. أومال لما يقولوا الأسعار نزلت، نزلت فين يعني؟!”
سامي: “وظيفتين ومش مكفيين.. واللحمة مبقتش تدخل بيتي”
“فعلاً الأسعار زادت أوي. أنا برجع من الشغل أروح على وردية ليلية كأمن في مستشفى علشان أكفّي مصاريف البيت. وأقول لحضرتك على حاجة، أنا ولادي يعتبر مبيصرفوش، يعني الدخل اللي بجيبه كله بيتصرف على البيت والعيال، مفيش ولا جنيه عارف أحوشه أو أحطه على جنب، علشان لا قدر الله لو حصلت أزمة ولا عيل احتاج حاجة، ولا حتى لو جيت أجهّز عيل من عيالي.”
ويضيف: “أنا عندي تلاتة، بنتين وولد، وعيشتهم بسيطة يعني. والوظيفتين مش مكفيين، يادوب اللي جاي أد اللي رايح. بنتي بقالي عيدين مبجيبلهاش هدوم عيد زي زمايلها، ومبخرجهاش أصلاً. فالأسعار بالنسبة لي السنة اللي فاتت واللي قبلها والسنة دي مفرقوش عن بعض. دا أنا في سلع أقسم لك مبقيتش أدخلها بيتي غير كل فين وفين. اللحمة دي كانت موجودة في الفريزر على طول، دلوقتي ممكن ندخلها البيت كل تلات أو أربع شهور مرة. والبيض اللي مكنتش بقطعه من البيت علشان صحة العيال، دلوقتي ممكن أجيب كل شهر طبق.”
هايدي: “كنت هتجوز من شهر.. بس الأسعار أجّلت الفرح 6 شهور”
“أنا مخطوبة، وبشتغل من سنتين علشان أقدر أجهز نفسي. بساعد بابا في البيت لأنه ماعندوش دخل ثابت، وكان المفروض أتجوز من شهر، بس علشان ناقصني حاجات كتير في الجهاز، أجلنا الفرح ست شهور كمان. الأسعار صدمتني، مش عارفة ألحق أشتري إيه ولا إيه.”
وتضيف: “أنا خايفة أشتري حاجة بالقسط وأتجوز وألاقي بابا هو اللي بيدفع، وهو أصلاً مش هيقدر. حتى وأنا بشتغل ساعات إضافية وبنزل شغل يوم الجمعة، المرتب مش مكفي، ومش كبير رغم التعب وعدم الراحة. الأسعار فعلاً زادت أوي… المواصلات، الخضار، الفاكهة، كل حاجة نار. من يوم ما اشتغلت وأنا حاسة إن الأسعار مش بتنزل. من أيام كورونا وكل حاجة غالية. أنا لسه مخطوبة… وبس.”
التراجع محدود.. وجيب المواطن لا يزال يُستنزف
رغم ما تعلنه الحكومة من مؤشرات إيجابية، إلا أن لسان حال المواطن البسيط يقول غير ذلك. التراجع المحدود في بعض أسعار السلع لا يكفي لمواجهة أعباء المعيشة المتزايدة، ولا يغطي الارتفاع الهائل في مستلزمات الحياة الأخرى. الإصلاح الاقتصادي، كما يرى كثيرون، لا يزال بعيدًا عن أن ينعكس بشكل حقيقي على حياة المواطن، الذي ينتظر إصلاحًا يشعر به في جيبه، لا فقط في المؤشرات والأرقام.