زيارة مودي تثير انقسامًا في ترينيداد بين الفخر الثقافي والقلق الحقوقي
وسام وطني يسلّط الضوء على التوتر الديني والسياسي في مجتمع متنوع الأعراق

أعلنت حكومة ترينيداد وتوباغو عزمها منح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أعلى وسام وطني خلال زيارة تاريخية تستمر يومين، في خطوة لاقت ترحيبًا حارًا من أبناء الجالية الهندية ذات الأغلبية الهندوسية، لكنها قوبلت بانتقادات حادة من أكبر منظمة إسلامية في البلاد، بسبب سجل مودي الحقوقي والاتهامات المرتبطة بخطاب الكراهية الديني في الهند. وتسلط هذه الزيارة الضوء على التوترات المتزايدة بين الرمزية الثقافية والدبلوماسية من جهة، والهواجس الأخلاقية والدينية من جهة أخرى، وسط مجتمعات متعددة الأعراق والديانات.
وسام الشرف الأعلى يثير جدلًا داخليًا
تعتزم الحكومة منح مودي “وسام جمهورية ترينيداد وتوباغو”، وهو أعلى تكريم في البلاد، باعتباره “تقديرًا لمساهماته المتميزة في تنمية العلاقات بين البلدين”. غير أن هذا القرار لم يمر دون إثارة ردود فعل متباينة. فقد أعلنت جمعية “أنجومان سُنّة الجماعة” (ASJA)، وهي أكبر هيئة تمثل المسلمين في ترينيداد، أنها سترسل رسالة احتجاج إلى رئيسة الوزراء والمفوضية الهندية، معربةً عن “قلق مبدئي وعميق” تجاه تكريم زعيم تتهمه بإذكاء التفرقة الدينية.
اقرا أيضاً:
السيسي يصدر قرارات جمهورية بتعيين قيادات جديدة بالرئاسة وقناة السويس
اتهامات حقوقية تطارد مودي خارج الهند
أشارت ASJA إلى سجل مودي في ما يخصّ قضايا الأقليات، خاصة المسلمين، مستشهدة بإلغاء الوضع الخاص لكشمير، وأحداث شغب جوجارات عام 2002 التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين، حين كان مودي رئيسًا للولاية. وعلى الرغم من تبرئته لاحقًا من قبل المحكمة العليا الهندية، فإن الجمعية اعتبرت أن “العدالة الحقيقية تتطلب أكثر من قرارات قضائية محلية، بل مساءلة سياسية وأخلاقية على المستوى العالمي”.
انقسام بين القيم الدينية والدبلوماسية
في الوقت الذي يعارض فيه المسلمون المحليون تكريم مودي، أعربت الجالية الهندوسية عن فخرها واعتزازها بهذه الزيارة. وصرّح الدكتور ديفانت مهراج، الوزير السابق والقيادي في أكبر منظمة هندوسية في البلاد، بأن “مودي يمثل إحياءً لهوية ثقافية طال نسيانها”، واصفًا الهند تحت قيادته بأنها “الأم التي تتذكر أبناءها في المهجر”. هذا التباين يعكس حجم الانقسام بين من ينظرون لمودي كرمز قومي ملهم، ومن يرونه زعيمًا مثيرًا للقلق على صعيد حقوق الإنسان.
الخلفية التاريخية: روابط تعود إلى زمن الاستعمار
ترتبط ترينيداد وتوباغو بعلاقات تاريخية وثيقة مع الهند، تعود إلى عصر “الاستقدام الإجباري” للعمال الهنود بين عامي 1845 و1917 بعد إلغاء العبودية. وقد ساهم هؤلاء المهاجرون في تشكيل مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، يشكّل المنحدرون من أصول هندية فيه نحو 35–40% من السكان. ومن ثمّ، فإن زيارة مودي تحظى بأهمية رمزية كبيرة، إذ تُعدّ أول زيارة لرئيس وزراء هندي أثناء توليه المنصب.
موقف الحركات الحقوقية الدولية
في حين لاقى مودي تكريمًا في عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل السعودية والإمارات ومصر، إلا أن منظمات حقوق الإنسان الدولية واصلت انتقاد سجل حكومته في ما يتعلق بحرية التعبير، وحقوق الأقليات، والممارسات القمعية تجاه الصحفيين والنشطاء. وتخشى منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنيستي أن يكون هذا النوع من التكريم بمثابة “تبييض دولي” لانتهاكات داخلية موثقة.
رئيسة الوزراء الجديدة تلعب على وتر الهوية
تأتي دعوة مودي من قبل رئيسة الوزراء كاملا برساد-بيسيسار، وهي من أصول هندية ومن السياسيين الذين دافعوا طويلاً عن توطيد العلاقات مع الهند. ويُنظر إلى خطوتها هذه باعتبارها توظيفًا سياسيًا ذكيًا يعزز شعبيتها في صفوف الناخبين الهندوس، في وقت لا تزال فيه البلاد منقسمة سياسيًا وعرقيًا. لكن البعض يحذر من أن هذه الزيارة قد تعمّق من الشرخ الاجتماعي والديني بين مكونات المجتمع.
زيارة ضمن جولة أوسع في الجنوب العالمي
تشكل زيارة ترينيداد وتوباغو محطة في جولة دبلوماسية أوسع لمودي تشمل عددًا من دول أمريكا الجنوبية وأفريقيا، من بينها الأرجنتين والبرازيل وناميبيا. وتهدف الجولة إلى تعزيز نفوذ الهند الدبلوماسي والتجاري في العالم النامي، في سياق منافسة متزايدة مع الصين والغرب على النفوذ في الجنوب العالمي. وبالنسبة لترينيداد، تشكل الزيارة فرصة نادرة للتموضع كلاعب رمزي في هذا المشهد الدولي المتغير.
اقرا ايضا :
المرشد الإيراني يحذر أمريكا بعد هجوم صاروخي على قاعدة أمريكية في قطر