هل نفكر بما يكفي في معاناة الآباء الذين يرعون أطفالًا مرضى أو من ذوي الإعاقة؟
معاناة الآباء الذين يرعون أطفالًا مرضى: تحديات يومية وقلق مستمر

عندما يرزق الإنسان بطفل، خاصة إن كان محاطًا بآباء آخرين في نفس المرحلة – كأن يكون ضمن فصل تمهيدي للحوامل أو لديه أصدقاء لديهم أطفال في نفس العمر – فإن الشعور السائد يكون أن الجميع يخوض التجربة ذاتها. لحظة الولادة قد تبدو شخصية وفردية للغاية، لكنها في ذات الوقت محاطة بكتيّبات إرشادية مثل “طفلك أسبوعًا بأسبوع” أو “أسابيع العجائب”. كل ذلك يوحي بأن المسار واضح، ويمكن التنبؤ به، حتى وإن اختلفت التفاصيل من أسرة لأخرى.
من الرضاعة إلى النوم، ومن الزحف إلى المشي، ومن إجازة الأمومة إلى دخول الحضانة فالمدرسة، تبدو الرحلة كما لو أنها تتجه نحو وجهة مشتركة للجميع.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا
بعض الآباء، ولأسباب مختلفة، تبدأ رحلتهم في اتجاه مختلف. أحيانًا يحدث ذلك في أثناء الحمل، أو عند الولادة، أو بعد أسابيع وشهور من حياة الطفل. وهناك دومًا لحظة فاصلة يدرك فيها الأب أو الأم أن تربيتهما لم تعد مثل الآخرين – بل أصبحت على “مستوى آخر من الأبوة”، كما تسميه الكاتبة والصحفية السابقة في الغارديان، مينا هولاند.
هولاند التي نشرت مؤخرًا كتابها المؤثر “شريان الحياة” (Lifeblood)
تسرد فيه تجربتها مع ابنتها “فيدا”، التي شُخّصت وهي لم تكمل بعد ستة أشهر بمرض وراثي نادر في الدم يُعرف بـ”متلازمة أنيميا دياموند-بلاكفان” (DBAS)، ولا علاج له حتى الآن. كانت طفلتها بحاجة إلى عمليات نقل دم منتظمة لتبقى على قيد الحياة. ومع مرور الوقت، أنجبت طفلًا آخر، “غابرييل”، الذي تبين لاحقًا أنه متوافق معها لنقل نخاع العظم.
منذ بدأتُ التفكير بعمق في مفهوم الأمومة، كنت حريصة على عدم تجاهل تجارب الآباء الذين يربّون أطفالًا مرضى أو ذوي إعاقات. لكن ما لم أفكر فيه كفاية هو كيف يشعر هؤلاء الآباء عندما يرون الآخرين يعيشون ما يُنظر إليه باعتباره المسار “الطبيعي”. كيف تشعر كأم عندما يكون طفلك في المستشفى، بينما يتحدث باقي الآباء عن أول خطوة لطفلهم، أو بداية الحضانة؟
هنا، يتساقط وهم “نحن جميعًا في القارب ذاته”
هولاند تصف مشاعرها خلال تلك الفترة بأنها مزيج من الحزن والغضب، بل وحتى الغيرة. تتذكر لحظة زارها بعض الأصدقاء مع أطفالهم الرضع، وكان أحدهم يجلس في مقعد طفلتها “في الباونسر”، يضحك ويلعب، بينما كانت هي تعيش قلقًا يوميًا على حياة فيدا. قالت لي: “شعرت بالغضب الشديد… لم يكونوا أشخاصًا سيئين، لكن بعض التصرفات كانت مؤلمة دون قصد”.
أحد أشد المواقف ومدى الصعوبه التى يواجهها الامهات
أحد أشد المواقف إيلامًا كان متابعة دردشة جماعية للأمهات يتحدثن عن “مدى صعوبة أول تطعيم”، بينما كانت طفلتها قد تعرضت بالفعل لعشرات الإبر والعلاجات.
التجربة شديدة العزلة. والآباء الآخرون – دون قصد – يعمقون الشعور بالغربة، فقط لمجرد أنهم يعيشون حياة مختلفة. لكن، في المقابل، يشعر هؤلاء الآباء العاديون بالارتباك: هل يعني استمرارهم في حياتهم أنهم يزيدون من معاناة غيرهم؟
الواقع أن آباء الأطفال المرضى يتلقون تذكيرات يومية بوضعهم المختلف. كل صورة لطفل على الشاطئ، كل فيديو لأول خطوة، كل منشور فخور على فيسبوك – كلها قد تكون بمثابة طعنة في القلب لأم لا تستطيع تحميم ابنتها لأنها مزوّدة بأنبوب Hickman المتصل بجسمها. لا أحد يطالب الآخرين بعدم المشاركة، لكن قليلًا من التعاطف قد يصنع فرقًا كبيرًا.
بعد مرور سنوات، تقول مينا إنها لم تعد تحمل الغضب نفسه تجاه الأمهات اللاتي انزعجن من تطعيم أطفالهن: “أصبحت أكثر تفهمًا لهشاشة الأمهات الجدد، حتى في أحسن الظروف”. وتضيف: “في تلك الفترة، لم أكن سهلة المراس… كانت الإيجابية تزعجني، رغم أنني كنت في أمسّ الحاجة لها”.
كما كتب الصحفي آرتشي بلاند عن تجربته المؤلمة مع ابنه ماكس، الذي كاد أن يفقد حياته في طفولته ثم أُصيب بالشلل الدماغي: “الحقيقة أنه لم يكن من السهل قول الشيء المناسب لي في العام الماضي”.
مع مرور الوقت، وجدت مينا ملاذًا في المجتمعات الصغيرة التي ضمّت آباء عاشوا تجارب مشابهة، حيث لا حاجة لشرح كل التفاصيل، ولا شعور بالذنب. فتركت وسائل التواصل، وركّزت على من يفهمونها فعلًا. وتقول إن أحد أهم أشكال الدعم لم يكن في الكلمات، بل في الوجود. “لا أحد يستطيع أن يفرض عليك القبول، لكن مجرد أن يشعر المرء بأن هناك من يفكر فيه، ذلك يصنع فرقًا”.
نعم، الغضب جزء من التجربة. لكنه لا يعني أن حبهم لأطفالهم أقل. والدتي، مثلًا، كانت دائمًا تقول عن أخي، الذي يعاني من التوحد والصرع: “لم أتمنَّ يومًا طفلًا آخر غيره”. ومينا تقول الشيء نفسه: “لو لم تكن لدى فيدا هذه الطفرة الجينية، لما كانت هي فيدا. وأنا لا أريد طفلة أخرى”.