عربي وعالمي

بوتين يربط مصيره بأوكرانيا: حرب مفتوحة واختبار قاسٍ للغرب

روسيا تُخنق أوكرانيا في حرب لا نهاية لها وترامب يناور بلا ضمانات

منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مساعيه لإحداث اختراق دبلوماسي في الأزمة الأوكرانية، جاء الرد الروسي صارمًا ومزدوج الرسالة. فخلال ساعات فقط، شنت موسكو أكبر هجوم جوي بطائرات مسيّرة منذ بداية الحرب، مستخدمة 728 طائرة بدون طيار و13 صاروخًا، في تصعيد غير مسبوق استهدف عمق أوكرانيا العسكري والمدني على حد سواء.

الحرب تتحول إلى مشروع دائم للكرملين

هذا التصعيد لم يكن مجرد ردٍّ على التصريحات الأمريكية، بل خطوة محسوبة أراد من خلالها فلاديمير بوتين أن يُعلن أمام الداخل والخارج بأن الحرب في أوكرانيا لم تعد ورقة تفاوض، بل أصبحت مشروع نظام يرتكز عليه بقاء الكرملين واستمراره السياسي.

شروط إمبراطورية تنسف سيادة أوكرانيا

فمنذ بداية ولايته الجديدة، يعيد بوتين توجيه بوصلة استراتيجيته نحو صراع طويل الأمد، غير خاضع لمواعيد نهائية أو ضغوط دولية. وخير دليل على ذلك، ما ورد في اتصالاته الأخيرة مع ترامب وماكرون، حيث جدد الرئيس الروسي طرح ما أسماه “شروط إنهاء الحرب”، وعلى رأسها إعادة حدود الناتو إلى ما قبل عام 1997، وتجريد أوكرانيا من حقها الكامل في السيادة. شروطٌ لا تُخفي رؤيته التوسعية، بل تُجسّد عقلية إمبراطورية ترى في أوكرانيا ساحة نفوذ لا أكثر.

خسائر بشرية ضخمة… والدعاية تُعيد تدويرها

وبينما يسعى الكرملين لفرض وقائعه على الأرض، تتساقط التقديرات الصادمة في تقارير غربية تشير إلى تجاوز عدد الضحايا الروس – بين قتلى وجرحى – عتبة المليون. لكنّ هذا الرقم، بدلاً من أن يُحدث صدمة في الداخل الروسي، يُعاد توظيفه ضمن رواية النظام: فالحرب لم تعد دفاعًا عن حدود، بل معركة وجودية مع الغرب، تستدعي كل التضحيات.

مكافآت مقابل الدم: آلية التجنيد الروسية

ولضمان استمرار عجلة القتال، تعتمد موسكو على استراتيجية تجنيد مكثف قائم على الإغراء المالي، خصوصًا في الأقاليم الفقيرة. وقد عبّر الصحفي الروسي الحائز على نوبل، ديميتري موراتوف، عن تلك الظاهرة بقوله: “في كثير من الأحيان، أصبح الجندي أكثر قيمة لعائلته ميتًا منه حيًا”، في إشارة إلى التعويضات المغرية التي يحصل عليها ذوو القتلى.

أوكرانيا تحارب من أجل الوجود

في المقابل، تدرك كييف أنها لا تخوض حربًا على الأرض فقط، بل حرب بقاء على الهوية والوجود. فموسكو لا تكتفي بالاحتلال العسكري، بل تمارس عملية محو ثقافي وهيكلي للمناطق المحتلة، عبر تغيير المناهج التعليمية، ومحو الرموز الوطنية، وفرض السردية الروسية. ولهذا، ورغم الخسائر الفادحة ونقص الموارد، تواصل كييف توجيه ضربات موجعة، أبرزها عملية “بيت العنكبوت”، التي استهدفت جزءًا مهمًا من أسطول القاذفات الروسية.

تقدم ميداني محدود رغم شراسة القتال

ورغم كل الدعم العسكري واللوجستي الذي حشدته روسيا، لم تتمكن من تحقيق اختراق ميداني واسع. فقد أشار وزير الخارجية الأوكراني السابق، دميترو كوليبا، إلى أن التوسع الروسي منذ نهاية 2023 لم يتجاوز نسبة 1%. هذا الرقم الصغير يحمل دلالة كبيرة: نحن أمام حرب استنزاف ثقيلة، تُستنزف فيها الموارد والأرواح دون أن تُحسم.

الصناعة الدفاعية الأوكرانية تنهض من تحت الركام

في هذا السياق، لم يكن أمام أوكرانيا سوى الرهان على الذات. ومع تباطؤ الدعم الأمريكي وتردد بعض العواصم الأوروبية، صعد نجم الصناعات الدفاعية المحلية في كييف، لتحقق معادلة جديدة تعزز من قدرة أوكرانيا على الصمود، بل وتلهم دولًا أوروبية لإعادة بناء قدراتها العسكرية بعد عقود من التراجع.

ترامب يعود للواجهة… ولكن أوروبا لا تثق

لكن وسط كل هذا، لا يزال الموقف الأمريكي محل شك وتساؤل. فبينما عاد ترامب مؤخرًا لمناقشة فكرة إرسال بطاريات باتريوت ودعم كييف عسكريًا، فإن الأوروبيين لا ينسون تاريخه في الانسحاب من الملفات الدولية الحساسة. الشكوك تحوم حول استدامة هذا الدعم، ما يدفع أوروبا لمراجعة مواقفها.

أوروبا أمام تحدي الانكفاء الأمريكي

وأمام هذا الغموض، يبدو أن أوروبا بدأت تستعد لسيناريو أكثر قسوة: احتمال انسحاب أمريكي من المعركة. وفي هذا السياق، قال دبلوماسي فنلندي بارز: “إذا سقطت أوكرانيا، فلن تنعم أوروبا بالهدوء. الصراع سيتحول إلى مقاومة شعبية، وردّ روسيا سيكون بالغ الوحشية”.

معركة بين نموذجين: الديمقراطية في مواجهة الاستبداد

بهذا المشهد، لم تعد الحرب مجرد اشتباك إقليمي، بل صراع عالمي بين نموذجين: ديمقراطيات مرتبكة أمام اختبار القيادة، واستبداد يعرف ما يريد ويضرب بلا تردد.

 

اقرا ايضا:

تحوُّل حاسم في موقف ترامب يعيد صياغة مسار الدعم الأمريكي لكييف

رجاء رضا

رجاء رضا بكالوريوس إعلام – جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى