علوم اجتماعية وانسانية

طنين الخطر: كيف قد يكون صوت الدبور الآسيوي مفتاحًا لاحتوائه”

الدبور الاسيوى: خطر يهدد بريطانيا

تحقيق صحفي موسع يتناول اكتشافًا علميًا في بريطانيا يفتح باب الأمل في مواجهة واحدة من أخطر الكائنات الغازية على النظم البيئية الأوروبية.

الآسيوي الطنان: تهديد يتكاثر بسرعة

خلال العام الجاري، تجاوز عدد مشاهدات الدبور الآسيوي في بريطانيا كل التوقعات، مما أدى إلى دق ناقوس الخطر بين علماء البيئة والنحالين والجهات الحكومية. ففي حين أن هذا الدبور المعروف علميًا باسم Vespa velutina لا يشكل خطرًا مباشرًا على الإنسان، فإن تأثيره المدمر على النحل المحلي والنظم البيئية الزراعية يضعه في قلب التهديدات البيئية الطارئة.

دبور لا يرحم: سلوك مفترس يدمر النحل

ما يجعل هذا النوع من الدبابير مخيفًا هو أسلوبه الوحشي في صيد النحل. يقف أفراد هذا الدبور خارج خلايا العسل، يترقبون لحظة دخول أو خروج النحلة ليمسكوا بها، ويفككوها إلى أجزاء، مقدمين صدور النحل المقطعة كغذاء لصغارهم. مجرد فرد واحد يمكنه افتراس ما بين 30 إلى 50 نحلة يوميًا.

انتشار غير مسبوق في بريطانيا

شهد عام 2023 ارتفاعًا غير مسبوق في عدد مشاهدات هذا الدبور مقارنة بالسنوات السبع السابقة مجتمعة، غير أن عام 2024 حطم الأرقام مجددًا، قبل أن تأتي سنة 2025 لتسجل رقمًا قياسيًا جديدًا. حتى الآن، تم رصد 73 دبورًا آسيويًا و28 عشًا، مما يشير إلى أن هذا النوع الغازي بات ينجح في قضاء فصل الشتاء داخل المملكة المتحدة، وهو مؤشر مقلق على ترسخه المستدام.

طنين مميز… وأمل في المواجهة

لكن وسط هذا الخطر المتزايد، جاء الاكتشاف العلمي الجديد من جامعة ساوثهامبتون بمثابة بارقة أمل. فقد تمكن فريق بحثي من تحديد التردد الصوتي المميز لطنين أعشاش الدبور الآسيوي، والذي يبلغ 125 هرتز، مع مستوى صوت يعادل 51 ديسيبل، وهو ما يقارب مستوى محادثة بشرية عادية.

تمييز صوتي بين الأنواع

تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أن التردد الصوتي للدبور الآسيوي يختلف بشكل واضح عن نظيره الأوروبي (110 هرتز) وعن نحل العسل (210 هرتز). هذه الفروق الدقيقة في الترددات تتيح إمكانية استخدام ميكروفونات موجهة لتحديد مواقع أعشاش الدبابير الآسيوية بدقة من على بعد يصل إلى 20 مترًا.

تكنولوجيا الصوت في خدمة البيئة

يُعد استخدام التردد الصوتي لتحديد أماكن الأعشاش ابتكارًا غير تقليدي في مجابهة الكائنات الغازية. فبدلاً من الاعتماد الكلي على المشاهدة البصرية أو التبليغ اليدوي، يمكن الآن تصميم أجهزة قادرة على “الاستماع” إلى التهديد والتعامل معه قبل أن يستفحل.

سباق مع الوقت في شهري الذروة

وفقًا للباحثين، فإن شهري سبتمبر وأكتوبر هما ذروة نشاط هذه الأعشاش، حيث تصل أعداد الدبابير إلى أقصاها. في هذه الفترة، سيكون للتقنية الصوتية الجديدة دورٌ جوهري في التعرف على الأعشاش وتدميرها قبل أن تطلق أجيالًا جديدة.

تاريخ وصول غير مرحب به

يعود تاريخ أول مشاهدة لهذا النوع في أوروبا إلى عام 2004 عندما ظهر في فرنسا. ويُعتقد أنه وصل عبر شحنات تجارية غير محكمة قادمة من آسيا، ومنذ ذلك الحين بدأ ينتشر تدريجيًا في أنحاء أوروبا الغربية.

حملة وطنية لرصد الخطر

لم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي أمام هذا الغزو. أُطلقت حملات وطنية لتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن مشاهدات الدبابير، وتدريب النحالين على تحديد أعشاشها. غير أن هذه الجهود، رغم اتساعها، لم تكن كافية لوقف الزحف الصامت.

بيئة مناسبة وتغير مناخي

يسهم تغير المناخ في تعزيز قدرة هذه الحشرة على البقاء والتكاثر، حيث تؤمن الفصول الدافئة فرصًا أكبر للنجاة من الشتاء. كما أن المناخ المعتدل في بعض أجزاء بريطانيا بات شبيهًا بالمناخ الأصلي لهذه الحشرة في جنوب شرق آسيا.

مخاطر اقتصادية تطال الزراعة

يتعدى ضرر الدبور الآسيوي البيئة إلى الاقتصاد، فالنحل المحلي يؤدي دورًا رئيسيًا في تلقيح المحاصيل الزراعية. ومع تراجع أعداد النحل بسبب الافتراس، ترتفع المخاطر على إنتاج الفواكه والخضروات والمحاصيل الأخرى، مما يهدد الأمن الغذائي.

الاحتواء أولوية وطنية

تؤكد الهيئات البيئية أن الهدف في المرحلة الحالية ليس القضاء الكامل على الدبور الآسيوي، وهو ما قد يكون مستحيلًا، بل الحد من انتشاره ومنعه من التحول إلى مكون دائم في النظام البيئي البريطاني.

إسهام جامعي يعيد رسم الاستراتيجية

تُعد مساهمة جامعة ساوثهامبتون بتحليل الترددات الصوتية للدبابير بمثابة إعادة رسم للاستراتيجية الوطنية في المواجهة. لقد وفر هذا الاكتشاف أداة جديدة يمكن تطويرها تكنولوجيًا لتكون جزءًا من المنظومة الوطنية لرصد الكائنات الغازية.

من علم الصوت إلى العمل الميداني

تم بالفعل استخدام هذه البيانات الميدانية لتجارب رصد موجهة في جزيرة جيرزي، حيث تم قياس الترددات وتأكيد إمكانية التعرف على العش من مسافة معقولة. وهو ما يمنح فرق الاستجابة السريعة أداة أكثر دقة للتدخل في الوقت المناسب.

دور المجتمع المحلي

يلعب المواطنون دورًا أساسيًا في نجاح أي استراتيجية احتواء. فالتبليغ السريع عن المشاهدات، والمساهمة في حملات التوعية، وفتح الأعين في الحدائق والمزارع، كلها أدوات فعالة لا غنى عنها في هذا الصراع الصامت.

أزمة بيئية تعبر الحدود

تجربة بريطانيا مع هذا الدبور ليست فريدة، بل تكررت في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وكلها تشير إلى أن التعامل مع الكائنات الغازية يتطلب تنسيقًا أوروبيًا وليس فقط وطنيًا، خاصة في ظل حرية حركة البضائع والطقس المشترك.

حين تصبح التكنولوجيا سلاحًا بيئيًا

المعركة ضد الدبور الآسيوي مثال حي على كيف يمكن للتكنولوجيا، حتى في أبسط صورها مثل ميكروفون موجه، أن تتحول إلى أداة فعالة في صون الطبيعة، بشرط أن تُدعم بإرادة سياسية وتمويل مناسب.

الأمل في علم الصوتيات

تفتح الدراسة الجديدة آفاقًا لتطبيق تقنيات مشابهة على أنواع أخرى من الكائنات الغازية، سواء في اليابسة أو في البحار. فصوت الطبيعة قد يحمل أسرارًا لم ننتبه لها بعد، وقد يكون مفتاح الحل في المستقبل.

رسالة للمستقبل: استمعوا للطبيعة

ربما يكمن في هذه القصة درس بيئي أكبر: الإنصات. الإنصات العلمي، الدقيق، للتفاصيل. فما بدا مجرد طنين مزعج، قد يتحول إلى مفتاح الإنقاذ لنظام بيئي بأكمله. علينا فقط أن نصغي جيدًا، وأن نتصرف بسرعة.

اقرا ايضا:

اختبار “دايت كولا”: كيف تفضح المشروبات الغازية المطاعم المتعجرفة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى