الصحة والتعليم

اختبار “دايت كولا”: كيف تفضح المشروبات الغازية المطاعم المتعجرفة؟

اختبار دايت كولا... فلسفة خدمة أم علامة تجارية؟

في مقال طريف نُشر عبر فايننشال تايمز، يقدم الكاتب روبرت شرمزلي “نظرية” غير تقليدية لتمييز المطاعم السيئة عن الجيدة، بعيدًا عن تقييم الطهاة أو جمالية أطباق الخس المشوي بـ20 جنيهًا. نظريته، التي يسميها ساخرًا “اختبار دايت كولا”، تنطلق من لحظة بسيطة: طلب مشروب غازي. إن كانت إجابة النادل تتضمن أسماء غامضة مثل Karma Cola أو Madagascan Cola بدلاً من كوكاكولا العادية أو دايت كولا، فهذه بالنسبة لشرمزلي إشارة أكيدة إلى أنك في مطعم متغطرس، أكثر انشغالًا بهويته الذاتية من تلبية رغبات الزبائن. وبحسب المقال، فإن الأمر لا يتعلق بالمذاق فقط، بل بالرسائل الخفية التي تبعثها خيارات المشروبات.

كوكاكولا ليست مجرد مشروب… بل مؤشر على التواضع

في تحليل شرمزلي، فإن رفض المطعم تقديم كوكاكولا أو أحد بدائلها المعتادة، لا يعكس مجرد قرار في قائمة المشروبات، بل يمثل إعلانًا ضمنيًا بأن المكان لا يعترف بالذوق العام ولا يحترم تفضيلات الزبائن. المطاعم التي تستبدل المشروب الأكثر شهرة عالميًا بمنتجات “بديلة” عضوية أو نادرة، تُظهر نوعًا من التعالي المقنّع، وتوحي بأنها تطبّق فلسفة نخبوية على حساب الراحة والمتعة. الشراب هنا يصبح رمزًا: رمزًا للفجوة بين تجربة طعام بسيطة ومريحة، وتجربة متكلفة هدفها إثارة الانطباع لا سدّ الجوع.

قائمة مشروباتك تفضح شخصيتك، وقائمة المطعم تفضح نواياه

يقر الكاتب بأنه لا يهاجم المشروبات البديلة لكونها سيئة بالضرورة، بل لأنها تعكس ذهنية معينة. في المطاعم “المتظاهرة بالتحضّر”، يكون اختيار مشروبات مثل Fentimans أو Madagascan Cola إشارة على أن صاحب المكان يعتقد أن زبائنه يجب أن يخضعوا لذوقه الخاص، بدلًا من أن يشعروا بأنهم في بيئة مريحة. لا يُفترض أن تكون تجربة الطعام اختبارًا لمعرفتك الثقافية أو قدرتك على تقبّل الغرابة، بل لحظة استرخاء واستمتاع. من هنا، يرى شرمزلي أن المطعم الجيد هو الذي يتّسع ذوقه ليشمل المتطلبات البسيطة مثل مشروب غازي عادي.

الاستثناءات موجودة، لكنها لا تُلغي القاعدة

يعترف الكاتب بأن هناك استثناءات – مطاعم راقية حائزة على نجوم ميشلان قد تُقصّر في مشروباتها الغازية، لكنها تعوّضك بأطباق تُشبه الفن. لكنه يميز بينها وبين مطاعم عادية تتبنى نفس التشدد دون أن تمتلك مؤهلاته. “النخبوية الزائفة”، كما يسميها، هي ما يزعجه. يروي مثلاً كيف أن صديقًا اصطحبه لمطعم يقدم “كولا من مدغشقر” ثم استهجن طلبه لدايت كولا، معلقًا بأنها “مشروب للفقراء”. رد شرمزلي كان بسيطًا: “نعم، ونحن كثرة. وإذا لم يكن مالنا رخيصًا في نظركم، فعليكم أن تحترموا أذواقنا أيضًا”.

اختبار دايت كولا… فلسفة خدمة أم علامة تجارية؟

يتحول اختبار شرمزلي إلى ما هو أعمق من مجرد اختيار مشروب، ليصبح مؤشراً على فلسفة المكان: هل هو مطعم يعكس ذوق زبائنه أم يعكس فقط صورة صاحبه؟ هل يسعى لتقديم تجربة ممتعة أم يسعى لفرض ذوق معين؟ المطاعم التي تفهم عملاءها، بحسب المقال، تعرف أن الفخامة لا تتعارض مع البساطة، وأن تقديم دايت كولا لا يُفسد سمعة الشيف، بل يُطمئن الزبون أنه ليس مضطرًا لتغيير نمط حياته ليحصل على وجبة عشاء.

نسخة القهوة من نفس “الاختبار

لا يتوقف شرمزلي عند المشروبات الغازية. فهناك ما يسميه بـ”نسخة القهوة من اختبار دايت كولا”، حيث تتمثل النخبوية أيضًا في المقاهي التي تقدم حليبًا كامل الدسم فقط، وسكرًا بنيًا فقط، وتعتبر أي طلب مختلف نوعًا من “التدنيس”. وهو يلاحظ أن تلك الأماكن، التي تتميز بديكوراتها الطوبية المكشوفة، تسعى لإقناع الزبون بأن هناك طريقة واحدة فقط لشرب القهوة، هي طريقتهم. مرة أخرى، يكرر اعتراضه على فكرة أن المكان يجب أن يفرض “مقدّساته الذوقية” على الزائر.

كيف يكشف اختبار دايت كولا عن ذهنية المطعم وتقديره لذوق الزبائن

في ختام مقاله بـFinancial Times، لا يدّعي شرمزلي أن اختبار دايت كولا هو مقياس علمي دقيق، لكنه يطرحه كمؤشر ساخر ودقيق على ذهنية المكان. هو ليس دفاعًا عن كوكاكولا، بل عن البساطة والود في تجربة الطعام. لأن الزبون لا يبحث فقط عن نكهة لاذعة في كوبه، بل عن احترام لذوقه، وتقدير لتفضيلاته، أياً كانت. وكما يقول، ربما تستحق المطاعم أن تسأل رأي الناقد المخضرم جاي راينر، لكن حتى ذلك الحين، فإن “اختبار دايت كولا” يظل وسيلة ممتعة – وإن كانت غير تقليدية – لاكتشاف إن كنت في مطعم للناس… أم في متحف لتذوق الطبقة العليا.

اقرا ايضا:

أمريكا تضرب قلب سوق الذهب العالمي.. وسويسرا تنزف بمليارات الدولارا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى