تقارير التسلح

ألمانيا تكشف عن استثمار عسكري فضائي ضخم بقيمة 40 مليار دولار

أعلنت ألمانيا عن خطة استثمارية غير مسبوقة في مجال الدفاع الفضائي بقيمة 41 مليار دولار بحلول عام 2030، في خطوة تهدف لتعزيز استقلالها التكنولوجي وقدرتها على حماية أصولها في المدار. جاء الإعلان على لسان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستريوس خلال مؤتمر الفضاء الصناعي الثالث في برلين، حيث شدّد على أن الفضاء لم يعد مجالًا للبحث العلمي والتواصل المدني فقط، بل تحول إلى ساحة صراع محتمل بين القوى الكبرى. وأوضح أن حماية الشبكات الفضائية باتت ضرورة استراتيجية في ظل تصاعد التهديدات، مشيرًا إلى أن أي هجوم يستهدفها قد يشل أنظمة حيوية وقطاعات كاملة داخل الدول.

 

الفضاء.. ساحة تهديدات متزايدة

 

أكد بيستريوس أن الشبكات الفضائية تشكل “كعب أخيل” للمجتمعات الحديثة، مشيرًا إلى أن الهجمات السيبرانية يمكن أن تعطل دولًا بأكملها. وضرب مثالًا بالهجوم الروسي على شبكة “فيا سات” قبل غزو أوكرانيا، والذي أثّر بشكل مباشر على تشغيل نحو ستة آلاف توربينة رياح في ألمانيا. وحذّر الوزير من أن التهديدات لم تعد افتراضية، بل واقعية، بعدما أصبحت الفضاءات المدارية مسرحًا لتجارب واختبارات عسكرية متزايدة، ما يجعل بناء منظومة حماية شاملة مسألة أمن قومي لا يمكن تأجيلها.

 

استراتيجية فضائية متكاملة

 

كشف وزير الدفاع عن ملامح خطة متكاملة لتعزيز القدرات الفضائية الألمانية، تشمل تطوير أنظمة أكثر صلابة ضد الهجمات، وتحسين قدرات الرصد والمراقبة عبر الرادارات والتلسكوبات، إضافة إلى إطلاق أقمار اصطناعية حارسة قادرة على التدخل لحماية الأصول الاستراتيجية. كما تتضمن الخطة إنشاء مركز عمليات فضائية عسكرية تابع لقيادة الفضاء في الجيش الألماني، التي تأسست عام 2021 ضمن سلاح الجو. هذه المنظومة، بحسب الوزير، ستوفر لألمانيا مظلة دفاعية متطورة تواكب طبيعة المخاطر المتنامية وتضمن جاهزية دائمة لمواجهة أي محاولات عدائية.

 

روسيا والصين في مرمى الاتهام

 

لم يتردد بيستريوس في تسمية روسيا والصين كمصدرين محتملين للتهديدات في الفضاء. وأشار إلى أن أقمارًا صناعية روسية من طراز “لوتش-أوليمب” تتعقب بشكل مريب أقمارًا تابعة لشركة “إنتلسات” تستخدمها القوات المسلحة الألمانية. وشكّك الوزير في الطابع السلمي لهذه الأنشطة، معتبرًا أنها مؤشرات على اقتراب سيناريوهات تهديد حقيقية. وأضاف أن سلوك موسكو في الفضاء يمثل خطرًا مباشرًا لا يمكن الاستهانة به، مشددًا على أن ألمانيا لا يمكنها بعد الآن الاكتفاء بالسياسات الدفاعية التقليدية في بيئة استراتيجية تزداد هشاشة.

 

نحو عقيدة فضائية هجومية

 

في تحول لافت عن سياسات برلين السابقة، أعلن بيستريوس أن ألمانيا يجب أن تنظر في تطوير قدرات هجومية في الفضاء، باعتبارها ركيزة أساسية لفرض الردع. وأوضح أن الاقتصار على القدرات الدفاعية لم يعد كافيًا في مواجهة قوى عازمة على اختبار حدود القوة، مؤكدًا أن الردع الفعّال يتطلب إظهار الاستعداد لاستخدام القوة إذا لزم الأمر. هذا التوجه يعكس تغييرًا جوهريًا في العقيدة الفضائية الألمانية التي كانت تركز تاريخيًا على الاستخدامات السلمية والقدرات الدفاعية فقط.

 

إنفاق عسكري في صعود 

 

يأتي الإعلان عن الاستثمار الفضائي في وقت تعزز فيه ألمانيا من إنفاقها العسكري بشكل عام، ما جعلها تتبوأ المرتبة الرابعة عالميًا من حيث حجم ميزانية الدفاع، خلف الولايات المتحدة والصين وروسيا. هذه القفزة المالية، التي ارتبطت بتحولات جيوسياسية عميقة في أوروبا والعالم، تؤكد عزم برلين على إعادة صياغة دورها كقوة عسكرية وتكنولوجية فاعلة، ليس فقط في مسارح العمليات التقليدية، بل في الفضاء أيضًا، باعتباره البعد الجديد للتنافس والصراع الدولي.

اقرأ أيضاً

أندوريل الأمريكية تقترب من أول طيران شبه مستقل لطائرتها YFQ-44A

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى