حين يغيب الحضن وتعلو الشاشات… كيف يصنع الفراغ العاطفي جانيًا بعمر الزهور

أعتقد أن الجرائم التي يكون طرفاها أطفال في مقتبل العمر أو مراهقين لا يمكن اختزال أسبابها الجوهريّة في شخص الجاني الصغير وحده فقط، بل هي انعكاس لأزمة أعمق في أبعاد أخرى تخص المنظومة الاجتماعية والأسرية المحيطة به. مثل هذه الحوادث التي هزت الوجدان تتطلب نظرة مجتمعية أعمق وجادة لإعادة تحديد المسؤوليات وتقسيم الأدوار.
المسؤولية الحقيقية في مثل هذه الجرائم مزدوجة الأطراف، ويجب أن ننتبه لها لتفادي تكرارها مستقبلًا.
الإهمال الأسري: السبب الأول
الفاعل الحقيقي الأول في هذه المأساة، من وجهة نظري، هو الإهمال الأسري، المتمثل في غياب الرقابة الأبوية المباشرة والمستمرة على ما يراه الطفل ويشاهده. هذا الفراغ العاطفي والرقابي، بالإضافة إلى نقص التربية التربوية الصحيحة، دفع الطفل إلى الانعزال وقضاء وقت طويل أمام الشاشات السوداء.
التربية الرقمية السلبية
الألعاب الإلكترونية العنيفة، أفلام الرعب، والمحتوى العنيف أعادت تشكيل وجدانية الطفل وإدراكه، وحفزت السلوك العنيف لديه. هذا حول العنف من الشاشة إلى واقع مأساوي وحزين ومدمر.
مسؤولية الإعلام والمحتوى الرقمي
هناك مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الإعلام والمحتوى الرقمي، الذي يساهم بشكل غير مباشر في تكرار مثل هذه الحوادث المؤلمة. لذلك، من الضروري مراجعة المنهج الإعلامي والابتعاد عن ذكر تفاصيل التنفيذ الدقيقة للجريمة في الأخبار، المسلسلات، الأغاني، ووسائل الإعلام كافة.
خطورة الإفراط في عرض تفاصيل الجريمة
الإفراط في التفاصيل لا يفيد، بل قد يؤدي إلى “تعليم للجريمة” في اللاوعي للبعض غير المستقرين نفسيًا، ويساهم في تطبيع العنف. يكفي الإشارة للحدث من بعيد مع التركيز على التوعية والآثار السلبية، دون تقديم وصفات يمكن محاكاتها أو تقليدها.
جرس إنذار للأسرة والمجتمع
مثل هذه الجرائم يجب أن تكون جرس إنذار قوي ومؤلم يدفع الأسرة والمجتمع والإعلام وكل من له منبر إلى تحمل مسؤوليتهم الكاملة تجاه حماية “أطفال في عمر الزهور”. هؤلاء الأطفال ليسوا مدركين أو ضحايا للإهمال والتفكك الأسري والإعلامي، ويجب العمل على حمايتهم من أن يصبحوا جناة أو ضحايا مستقبلية.
خلاصة
الإهمال الأسري والفراغ العاطفي الرقابي، بالإضافة إلى المحتوى الرقمي العنيف، هم المسؤولون الرئيسيون عن انحراف الأطفال وسلوكياتهم العنيفة. لذلك، لا يكفي التركيز على الطفل الجاني فقط، بل يجب أن يكون هناك مسؤولية مجتمعية وأسرية وإعلامية متكاملة لحماية الأطفال وتوعيتهم، قبل فوات الأوان.


