الوكالات

من غزة إلى واشنطن.. ترامب يصنع سلام الخارج ويؤجّج حرب الداخل

يحبّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقدّم نفسه للعالم كـ”رئيس السلام”، القادر على إنهاء الحروب وإبرام الاتفاقات التي استعصت على من سبقوه. وخلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، احتُفي به بوصفه “القائد المنقذ” الذي نجح في تحقيق وقفٍ لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، في خطوة اعتبرها إنجازًا شخصيًا يضاف إلى قائمة “انتصاراته” الدبلوماسية. غير أنّ هذا السلام الذي يتفاخر به لا يتجاوز حدود الصورة السياسية، إذ لم يُعالج جذور الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ولم يتجاوز كونه هدنة هشة قد تنفجر في أي لحظة، بينما يوظفها ترامب كورقة دعائية تُضاف إلى رصيده الانتخابي.

 

سلام هش على ركام الحروب

 

بعد أن أعلن عن نجاحه في “إحلال السلام الأبدي” في الشرق الأوسط، توجه ترامب بخطابه نحو حرب أخرى أكثر تعقيدًا: الحرب الروسية–الأوكرانية. فقد كشف عن نيّته لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بودابست، برعاية حليفه المجري فيكتور أوربان، في محاولة لإظهار نفسه كوسيط دولي قادر على ما فشل فيه الآخرون. لكن تجاهله لفشل محادثاته السابقة في ألاسكا، وإصراره على تبنّي دور المنقذ، يجسدان نمطًا مألوفًا في سلوكه السياسي: البحث عن لحظة استعراض جديدة، حتى وإن كانت بلا مضمون. فبينما يسعى لإقناع العالم بأنه رجل سلام، يزرع الانقسام في الداخل الأمريكي بيديه.

 

قوات في الشوارع.. بذور الحرب الأهلية

 

ما يهدد صورة ترامب كـ”حامل محتمل لجائزة نوبل للسلام” ليس فشله في تحقيق تسويات خارجية فحسب، بل تحوّله إلى مُحرّض على الصراع داخل بلاده. فقد لجأ مؤخرًا إلى نشر قوات الحرس الوطني في عدد من المدن الأمريكية، بدعوى محاربة الجريمة، رغم أن البيانات الرسمية تظهر أن تلك المدن ليست الأعلى في معدلات العنف. والجامع بينها أنها تُدار من حكّام ديمقراطيين. بذلك، بدا قرار ترامب أقرب إلى عملٍ سياسي يستهدف خصومه أكثر مما هو إجراء أمني، في محاولة لترهيب المعاقل الديمقراطية واستفزاز مواجهات تُبرّر له فرض سلطات طارئة وتوسيع قبضته التنفيذية.

 

الجيش كأداة سياسية

 

يحذر محللون من أن ترامب يسعى إلى تطبيع وجود القوات في الشوارع قبل الانتخابات النصفية المقبلة، تحسبًا لهزيمة محتملة قد يفقد بسببها السيطرة على الكونغرس. فوجود القوات يُرسل رسالة ترهيب للناخبين الديمقراطيين والأقليات، ويضمن استعدادًا ميدانيًا لأي احتجاج بعد الاقتراع. ورغم أن الدستور الأمريكي يمنع استخدام الجيش لأغراض حزبية، فإن ترامب وحلفاءه، وعلى رأسهم وزير “الحرب” بيت هيغسث، يعيدون صياغة عقيدة المؤسسة العسكرية لتعتبر “الاضطرابات المدنية” تهديدًا أمنيًا داخليًا، و”المعارضين” خصومًا للأمة. هذه اللغة تعبّر عن تحوّل خطير من حماية الأمن القومي إلى استهداف المواطنين المخالفين سياسيًا.

 

ديمقراطية على المحك

 

يتزايد القلق في الأوساط الأمريكية من أن إدارة ترامب الحالية تستخدم مؤسسات الدولة كسلاح سياسي. من الملاحقات القضائية ضد معارضيه، إلى خفض التمويل للجامعات والإعلام العام، مرورًا بحملات فصل موظفين بتهم أيديولوجية، يرسّخ ترامب نموذج “الرئيس المنتقم”. أما في خطابه، فيصوّر الحزب الديمقراطي كـ”منظمة متطرفة داخلية”، وخصومه كمهددين للأمن الوطني. وهكذا، بينما يتحدث للعالم بلغة السلام، يقود بلاده نحو صدام داخلي يهدد بنسف ما تبقى من النموذج الديمقراطي الأمريكي، لتبدو الولايات المتحدة اليوم كما لم تبدُ من قبل: أمة تُقاتل نفسها تحت راية رجل واحد.

اقرأ أيضاً

«المال مقابل النفوذ».. فايننشال تايمز تكشف كيف كافأت إدارة ترامب كبار مانحيه

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى