كولومبيا تطالب واشنطن بوقف ضربات زوارق تهريب المخدرات: «هذا قتل»

اندلعت أزمة دبلوماسية بين بوغوتا وواشنطن عقب سلسلة ضربات جوية أمريكية استهدفت زوارق يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات قبالة سواحل أمريكا الجنوبية. تأثّرت العلاقات التقليدية بين الحليفين بعد تقارير تحدثت عن سقوط قتلى بينهم مدنيون، ما دفع الحكومة الكولومبية إلى إدانة العمليات واعتبارها انتهاكًا للقانون الدولي ونداءً بوقف فوري لهذه الهجمات في محيط البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. في وقت تبرّر واشنطن حملتها بغاية تقويض شبكات تهريب رئيسية والانخراط في “صراع مسلح” ضد مهربي المخدرات، يبرز خلاف إقليمي جديد بسبب نطاق العمليات العسكرية الأمريكية وتعاظم حضورها البحري والجوي في المنطقة، وسط تحذيرات من تصعيد يغذي توترات استراتيجية ويقوّض التعاون الاستخباري والتنسيق الميداني الذي امتد عقودًا بين البلدين.
ضربات أمريكية جديدة وخسائر بشرية تثير الاستنكار
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تنفيذ ضربتين جديدتين أسفرتا، وفق تقارير أولية، عن مقتل عدد من الأشخاص، في خطوة عززت من حدة الجدل بين واشنطن وبوغوتا. تشير الأرقام الأمريكية إلى وقوع ما لا يقل عن تسع هجمات منذ أوائل سبتمبر أدت إلى مقتل 37 شخصًا — رقْمٌ أثار انتقادات من منظمات حقوقية وخبراء قانونيين يرون أن استهداف زوارق وصفت بأنها تهريبية قد يخرق معايير القانون الدولي إذا لم تُقدّم أدلة دامغة تُثبت الطابع العسكري أو الإجرامي للزوارق المستهدفة. وتبع إعلان الضربات إصدار بيانات رسمية من الحكومة الكولومبية تطالب بوقف العمليات فورًا، معتبرة أن استمرارها يفضي إلى انتهاكات مرفوضة لسيادة دول المنطقة ويهدد سلامة المدنيين والصيادين في المياه الإقليمية والمناطق القريبة من السواحل.
ردود رسمية كولومبية حادة: «هذا قتل»
اتخذت بوغوتا موقفًا صارمًا، ووجهت وزارة الخارجية رسالة واضحة لواشنطن تطالب فيها بالالتزام بالقواعد المنصوص عليها في القانون الدولي ووقف الضربات في المحيطين الكاريبي والهادئ. وفي تغريدة رئاسية لافتة وصفت السلطات التصعيد بأنه “قتل” وحمّلت الاستراتيجية الأمريكية تبعات إنسانية وقانونية وسياسية، خاصة بعد حادثة مقتل الصياد أليخاندرو كارانزا منتصف سبتمبر التي أثارت سخطًا محليًا واسعًا بعدما نفت عائلته أن يكون رجل البحر من المروّجين للمخدرات. واستندت الانتقادات إلى مخاوف من استهداف “مستويات دنيا” من المهربين دون تقويض الشبكات الأكبر، مما يكشف عن فجوة بين النتائج الميدانية والأهداف الاستراتيجية المعلنة لمكافحة تجارة المخدرات العابرة للقارات.
واشنطن تبرّر الحملة: صراع مسلح ضد مهربي المخدرات وتوسّع القوات
تقدّم الإدارة الأمريكية الحملة كجزء من جهود مواجهة تجار المخدرات عبر ضرب قدرات النقل البحري التي تنطلق، تقول واشنطن، من موانئ أو سواحل مرتبطة بشبكات تهريب متعددة، لا سيما من داخل فنزويلا. وأعلن البيت الأبيض أن الحملة التي انطلقت في 2 سبتمبر تهدف إلى تدمير خطوط الإمداد وقطع السلاسل اللوجستية، بينما رافقها انتشار عسكري واسع في البحر الكاريبي تضمن مدمرات وصواريخ بعيدة المدى وطائرات من طراز F-35 وغواصة نووية وآلاف الجنود، وفق ما نقلت تقارير إعلامية. لكنّ هذا النهج استنهض مخاوف قادة إقليميين من تحول عمليات مكافحة المخدرات إلى أدوات ضغط سياسي أو تهديد لسيادة دول الجوار، لا سيما مع اتهامات بأن بعض العمليات قد تكون جزءًا من إستراتيجية للضغط على حكوماتٍ بعينها.
توسّع العمليات إلى المحيط الهادئ وتأزيم بيئة التعاون الإقليمي
قرار توسيع نطاق الضربات ليشمل المحيط الهادئ، حيث تسلك زوارق التهريب مسارات بحرية طويلة ومعقّدة، أدّى إلى تفاقم التوترات الإقليمية وفتح تساؤلات عن مدى شرعية وفعالية الإجراءات أحادية الجانب في مياه دولية أو بالقرب من سواحل دول سيادية. حذّرت منظمات دولية، مثل المجموعة الدولية للأزمات، من أن الحملة قد “تمتد بسرعة لتشمل باقي المنطقة” وتحوّل الأزمة إلى تحدٍ أمني وسياسي إقليمي بدلًا من أن تظل مسألة قانونية أو إنفاذية ضيقة النطاق. وفي هذا السياق، أثّرت الضربات سلبًا على ثقة واختبار آليات التعاون الاستخباري بين واشنطن وشركائها الإقليميين، لا سيما أن كولومبيا تلقّت دعمًا أمريكيًا كبيرًا في السنوات الأخيرة لمكافحة المخدرات.
عراقيل ميدانية وأدلة جدوى: استهداف “المستويات الدنيا” للشبكات
انتقد خبراء فعالية الضربات في تحقيق تأثير حقيقي على تدفق المخدرات إلى الولايات المتحدة، مؤكدين أن العمليات التي تستهدف زوارق صغيرة أو مهربين محليين لا تمس شبكات التهريب الكبرى ولا تفكك سلاسل التمويل والتصنيع القائمة عبر الحدود. أشارت إليزابيث ديكنسون من المجموعة الدولية للأزمات إلى محدودية تأثير هذه الضربات على العرض الكلي، معتبرة أن التركيز على “المستويات الدنيا” لا يردع مافيات متحالفة مع بنى أوسع. ويضيف الخبراء أن الحلول طويلة المدى تتطلب تعاونًا متعدد الأطراف، استخبارات دقيقة، وجهود تنسيق قضائية وسياسية لمعالجة جذور الطلب والعرض، رغم الضغوط الأمريكية لتوسيع نطاق العمليات العسكرية.
أبعاد إنسانية وسياسية: ضحايا مدنيون واحتقان شعبي
تضمنت التقارير قصصًا مأساوية عن ضحايا مدنيين، أبرزها مقتل الصياد أليخاندرو كارانزا، وهو حادث استُخدمت أسرته في استنكار الحملة ومطالبة الحكومة بحماية مواطنيها من عمليات استهداف خاطئة. هذه الحوادث تُغذّي استياءً شعبيًا وتهز مشروعية العمليات العسكرية، كما تعزّز سردًا إقليميًا بأنه لا بد من قواعد واضحة ومساءلة دولية قبل تنفيذ ضربات تُسفك بسببه أرواح أبرياء. ومن ثمّ، فإن الأثر السياسي الداخلي ينعكس على علاقات الدول، إذ رُصدت انتقادات من قادة في المنطقة، بما في ذلك رئيسة المكسيك، التي دعت لاحترام “قواعد دولية” في التعامل مع شحنات مشتبه بها في المياه الدولية.
مخاطر التصعيد: احتمال توسيع الأهداف برًّا وانعكاسات استراتيجية
ألمح الرئيس الأمريكي إلى إمكانية توسيع العمليات لتشمل أهدافًا برية إذا استدعت الظروف، ما أثار مخاوف من تصعيد أكبر يؤدي إلى توتر مع حكومات إقليمية ومساءلة دولية. مثل هذا التوسع قد يضع واشنطن أمام تحدي قانوني وسياسي كبير، إذ سيتطلب تبريرات قانونية واضحة وموافقات أو إشعارات دولية لتفادي اتهامات بانتهاك سيادة الدول أو تحويل عمليات مكافحة المخدرات إلى حملة للضغط الجيوسياسي. في المقابل، يعتبر مؤيدو الحملة أن حزم الردع القوية قد تُضعِف قدرات المهربين سريعًا، لكن المعيار الحقيقي سيكون في قدرة العمليات على إضعاف سلاسل التوريد والإمداد عبر الحدود ومنع وصول المواد المخدّرة الفتاكة إلى الأسواق.



