علوم وتكنولوجيا

“ترمبونوميكس 2.0”: طريق محفوف بالمخاطر نحو تآكل الازدهار الأمريكي

في الوقت الذي يبدو فيه المشهد الاقتصادي الأمريكي أكثر إشراقًا مما كان عليه قبل أشهر، يخفي هذا التفاؤل وراءه مشكلات هيكلية تهدد الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الأكبر في العالم. فعلى الرغم من ارتفاع مؤشرات الثقة بين رجال الأعمال والمستهلكين، وبلوغ مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″ مستويات قياسية، فإن ما يُعرف بـ”مشروع القانون الجميل والضخم” (BBB) الذي أقره الكونغرس مؤخراً، يمثل نذير خطر طويل الأمد للاقتصاد الأمريكي، ويكشف عن هشاشة ما يُطلق عليه “ترمبونوميكس” في نسخته الثانية.

مشروع القانون الضخم: تقليص الضرائب.. وزيادة العجز

جوهر مشروع القانون يتمثل في تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترمب في ولايته الأولى، والتي كانت على وشك الانتهاء. وبينما يرى الجمهوريون أن هذا التمديد يحافظ على الوضع القائم، فإن الحقيقة هي أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار. فالعجز في الميزانية بلغ 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن تواصل نسبة الدين إلى الناتج ارتفاعها لتتجاوز مستويات ما بعد الحرب العالمية الثانية خلال عامين فقط. ومع أن العوائد الجمركية ستسهم جزئياً في تقليص هذا العجز، إلا أنها لن توقف الانزلاق نحو أزمة مالية.

تقشف انتقائي يضرب الفقراء ويكافئ المتقاعدين

في خضم التغيرات الديموغرافية وارتفاع متوسط الأعمار، كان من المنطقي إعادة النظر في دعم برامج التقاعد ورفع سن التقاعد تدريجياً. لكن ما حدث هو العكس؛ فقد مُنحت إعفاءات ضريبية للمتقاعدين، في حين تم تقليص برنامج “ميديكيد” الخاص بتأمين الرعاية الصحية لذوي الدخل المحدود. ومن المتوقع أن يؤدي القانون الجديد إلى فقدان نحو 12 مليون أمريكي لتأمينهم الصحي، في بلد يُعد الأغنى في العالم. ومع فرض شروط جديدة للعمل على مستفيدي البرامج الاجتماعية، تزداد البيروقراطية من دون تحقيق نتائج حقيقية في رفع معدلات التوظيف.

العودة إلى الوقود الأحفوري: ضربة للطاقة النظيفة والمستقبل الاقتصادي

من بين أوضح ضحايا “القانون الجميل” كانت الحوافز الضريبية للطاقة النظيفة التي أُقرّت في عهد جو بايدن، والتي جرى إلغاؤها بالكامل دون بديل واضح. وبينما كانت هذه الحوافز تعاني من بعض العيوب الحمائية، فإن إلغاؤها في غياب سياسة بديلة لتسعير الكربون يعني أن الولايات المتحدة تتراجع عن التزاماتها البيئية، وتفتح الباب لزيادة الانبعاثات. وهو قرار يفتقد للرؤية، خاصة في وقت يرتبط فيه السباق نحو الذكاء الاصطناعي بقدرة الدول على توليد كميات هائلة من الطاقة.

تمرير القانون: خلل هيكلي في آليات التشريع

لم يكن مضمون القانون وحده هو المثير للقلق، بل أيضاً الطريقة التي تم بها تمريره. فبسبب قواعد مجلس الشيوخ، يُسمح بتمرير قانون واحد فقط في السنة يُعنى بالضرائب والإنفاق باستخدام 51 صوتًا فقط. هذا الواقع يدفع الحزب الحاكم لحشر أكبر عدد ممكن من البنود في مشروع واحد، ما يقلل من الرقابة ويفتح المجال للمصالح السياسية والصفقات الجانبية، وهو ما شهده تمرير هذا القانون بالفعل.

أوهام النمو: لماذا لا ينقذ الاقتصاد نفسه بنفسه؟

يراهن المتفائلون على أن النمو الاقتصادي سيتكفل بتبديد المخاوف المالية. وتقدّر الإدارة الأمريكية أن الناتج المحلي سيرتفع بنسبة تقارب 5% خلال السنوات الأربع المقبلة. لكن الواقع لا يدعم هذا التفاؤل. فغالبية التخفيضات الضريبية ليس لها تأثير تحفيزي جديد، بل تُعد استمراراً لتخفيضات قائمة، كما أن التعريفات الجمركية تمثل عبئًا موازناً. والأسوأ أن معدلات الفائدة الآن أعلى بثلاثة أضعاف مما كانت عليه في أول عهد ترمب، ما يُضعف أي تأثير محتمل للسياسات المالية التوسعية.

الدين العام: قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار المالي

من المرجّح أن يؤثر سيل إصدارات الديون الفيدرالية سلبًا على النمو الاقتصادي، حيث يؤدي ارتفاع الدين إلى تقليص الاستثمارات الخاصة ورفع كلفة الاقتراض. وإذا اضطرت أمريكا لإجراء تعديلات مالية مفاجئة تحت ضغط الأسواق، فستكون التداعيات هائلة. وتشير تقديرات “غولدمان ساكس” إلى أن تأجيل الإصلاح المالي لعقد من الزمن سيجبر واشنطن لاحقًا على تقليص الإنفاق أو زيادة الضرائب بمعدل سنوي يصل إلى 5.5% من الناتج المحلي—وهو مستوى من التقشف يفوق ما شهدته منطقة اليورو في أزمتها المالية.

المشهد الكلي: استقرار اقتصادي هش في ظل اضطراب سياسي

القانون الجديد ليس سوى عرض من أعراض أزمة أوسع. إذ يعمد ترمب إلى مهاجمة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مما يقوّض الاستقرار النقدي، ويقلّص التمويل المخصص للبحث العلمي، مما يهدد الابتكار. كما أن تراجع احترامه لسيادة القانون يجعل الاستثمار في أمريكا أكثر مخاطرة. ومع أن الأصول الأمريكية تواصل الارتفاع بالدولار، فإنها تفقد قيمتها عند تحويلها للعملات الأجنبية، وهو ما يعكس تآكل الثقة العالمية في الاستدامة الاقتصادية الأمريكية، خاصة بعد تراجع الدولار بنسبة 11% هذا العام.

أقرا أيضاً:

وزارة الصحة تجهّز كافة الإمكانات الطبية لخدمة مرشحي مجلس الشيوخ

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى