كيف يدرس العلماء سلوك الأشخاص في حالة السكر الشديد؟ التجارب الطبيعية كأداة بحثية

دراسة سلوك البشر في بيئات الحياة الواقعية أصبحت محور اهتمام متزايد في علم النفس وعلم الأعصاب، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بعادات يومية قد تكون ضارة أو غير قانونية، مثل تناول الكحول أو المخدرات الترفيهية. التجارب المعملية التقليدية تواجه قيودًا أخلاقية تمنع الباحثين من اختبار تأثيرات هذه السلوكيات على مستويات عالية، مما دفع الباحثين إلى اعتماد “التجارب الطبيعية” (Naturalistic Experiments) التي تتيح مراقبة الأفراد في ظروفهم اليومية الحقيقية، سواء في المهرجانات، أو عبر البيانات الرقمية واسعة النطاق.
دراسة مهرجان ولاية مينيسوتا:
في 2024، تابع فريق من علماء الأعصاب جامعة مينيسوتا زوار مهرجان الولاية أثناء تناولهم للكحول بهدف دراسة تأثيراته على تحمل الألم. البحث ركّز على سؤال أساسي: هل تستمر خاصية الكحول المخففة للألم مع زيادة الجرعات، أم تتراجع؟ القيود الأخلاقية تمنع إعطاء الأشخاص كميات كحول تتجاوز حدود معينة في المختبر، لكن التجارب الطبيعية سمحت للباحثين بمراقبة المشاركين الذين وصل مستوى الكحول في دمهم إلى 0.15، أي ما يقارب ضعف الحد القانوني للقيادة. النتائج أظهرت أن تحمل الألم يرتفع مع زيادة مستوى الكحول، وهو ما يساعد الباحثين في نمذجة استخدام الكحول كمسكن ذاتي للآلام المزمنة.
الانتشار المتزايد للتجارب الطبيعية:
أظهرت جائحة كوفيد-19 أن جمع البيانات عن بعد هو خيار فعّال، مما عزز الاعتماد على التجارب الطبيعية في مجالات علم النفس وعلم الأعصاب. أمثلة أخرى تشمل دراسة أكثر من 46,000 شخص عبر برنامج رقمي لمعالجة شرب الكحول المفرط، حيث انخفضت معدلات الاستهلاك بنسبة الثلث بعد ثلاثة أشهر، ما يدل على قدرة البيانات الواقعية على تقديم رؤى كبيرة بأقل تكلفة وأسرع من التجارب المعملية التقليدية.
التوسع ليشمل المخدرات والسلوكيات اليومية:
التجارب الطبيعية لا تقتصر على الكحول. بعض الباحثين يدرسون تأثير المخدرات الترفيهية مثل الإكستاسي وLSD على المشاركين، مما يوفر بيانات حقيقية لا يمكن الحصول عليها في بيئات مختبرية بسبب قيود أخلاقية وقانونية صارمة. كذلك، يتم دراسة الاستجابات العصبية لمواقف حياتية يومية، مثل مشاهدة أفلام مثل “Back to the Future” و“Pulp Fiction”، لفهم التأثيرات العاطفية والمعرفية بشكل أكثر واقعية.
المجموعة الجديدة للصور الواقعية:
لزيادة واقعية الدراسات، جمع الباحث كريس باكلاند قاعدة بيانات للصور الحقيقية لوجوه الأشخاص في حالات متباينة من المتعة أو الألم، باستخدام لقطات من مقاطع يوتيوب. هذه الصور تسمح بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعرف على تعابير الألم الحقيقية، مع تحديات جودة الصورة والإضاءة والزوايا، وهو ما يعكس الفوضى الواقعية للحياة اليومية.
الخلاصة:
التجارب الطبيعية تمنح الباحثين نافذة على السلوك الإنساني في ظروف الحياة الواقعية، بما في ذلك سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل الإفراط في الشرب أو المخدرات. على الرغم من “الفوضى” التي تأتي مع هذه الطريقة، فإن النتائج قد تكون أكثر دقة في فهم استجابات الإنسان للألم والعاطفة، مع إمكانيات تطبيقية واسعة في الصحة العامة والذكاء الاصطناعي.