الوكالات

فايننشال تايمز: هل تستطيع باريس وبرلين إنقاذ مشروع المقاتلة المشتركة

يواجه مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي FCAS الذي تبلغ تكلفته نحو 100 مليار يورو، أزمة غير مسبوقة تهدد بانهياره قبل الموعد الحاسم بنهاية العام. فالشراكة الثلاثية بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا، التي رُوّج لها كرمز لتكامل الدفاع الأوروبي، تشهد خلافات متفاقمة بين شركتي “داسو للطيران” الفرنسية و”إيرباص” الألمانية بشأن السيطرة على تطوير المقاتلة الجديدة. ويُعد المشروع حجر الزاوية في طموح أوروبا لبناء قدرات قتالية مستقلة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، غير أن الانقسامات الصناعية والسياسية باتت تُلقي بظلالها على مستقبله.

 

طموح دفاعي وتعاون معقّد

 

يهدف المشروع إلى تطوير مقاتلة من الجيل السادس قادرة على العمل ضمن منظومة “سحابة القتال”، وهي شبكة متكاملة من الطائرات المسيّرة وأنظمة التسليح المتطورة. ويشارك في البرنامج كل من “داسو” عن فرنسا، و”إيرباص” عن ألمانيا، و”إندرا” عن إسبانيا. وقد أُطلق رسميًا عام 2017 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، ليكون رمزًا للشراكة الدفاعية الأوروبية في مواجهة التحديات الأمنية، خاصة التهديد الروسي المتصاعد. إلا أن تضارب المصالح بين الشركاء الثلاثة يهدد بتحويل هذا الحلم إلى عبء سياسي واقتصادي.

 

خلافات حادة بين باريس وبرلين

 

الخلاف الجوهري يدور حول من يمتلك الكلمة الأخيرة في تطوير المقاتلة. فالرئيس التنفيذي لشركة “داسو”، إريك ترابيه، يطالب بسيطرة أكبر على مراحل التصميم والاختبار، مؤكدًا أن خبرة شركته في تطوير “رافال” تؤهلها لقيادة المشروع. في المقابل، ترفض برلين وشركة “إيرباص” هذا النهج، وتتمسك بتوزيع متوازن للأدوار حفاظًا على مصالحها الصناعية في مانشنغ جنوب ألمانيا. تصاعدت التوترات حتى بات المشروع، وفق مصادر صناعية، “على شفا الانهيار”، وسط مخاوف من أن تتحول المنافسة إلى أزمة ثقة بين أكبر اقتصادين في أوروبا.

الخلاف يتمحور حول أحقية القيادة بين “داسو” و”إيرباص”، ما يهدد المشروع بانهيار وشيك.

خيارات برلين المعقدة

 

أمام الحكومة الألمانية ثلاثة مسارات محتملة: المضي قدمًا في الشراكة الحالية رغم الخلافات، أو البحث عن بدائل من خلال التعاون مع شركة “ساب” السويدية المصنعة لمقاتلة “غريبين”، أو مع “بي إيه إي سيستمز” البريطانية التي تقود برنامج GCAP مع اليابان وإيطاليا. وهناك أيضًا خيار مرحلي يتمثل في الاعتماد على مقاتلات “يوروفايتر تايفون” و”إف-35″ الأمريكية حتى عام 2040. لكن أي انسحاب من المشروع سيُعتبر ضربة قوية لفكرة الدفاع الأوروبي المشترك التي طالما دافعت عنها برلين وباريس.

ألمانيا تدرس بدائل، لكن الانسحاب سيضعف مشروع الدفاع الأوروبي

معضلة فرنسا وتحديات التمويل

 

في المقابل، تدرس باريس خيار تطوير نسخة متقدمة من “رافال” لتكون بديلاً محتملاً في حال انهيار مشروع FCAS. هذه النسخة قد تتكامل مع طائرات مسيّرة شبحية وصواريخ فرط صوتية بحلول 2035، لكنها لن تمتلك قدرات التخفي الكاملة ولا التكامل الرقمي الواسع الذي يعد به البرنامج الأوروبي. كما أن التكلفة المتوقعة، التي قد تصل إلى 100 مليار يورو، تمثل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدفاع الفرنسية البالغة نحو 50 مليار يورو سنويًا، ما يجعل استمرار التعاون مع ألمانيا الخيار الأقل كلفة والأكثر واقعية.

باريس تدرس تطوير “رافال” جديدة، لكن كلفتها تدفعها للإبقاء على الشراكة مع ألمانيا

هل يمكن إنقاذ المشروع؟

 

رغم التشاؤم المتزايد، لا تزال هناك فرصة لتسوية سياسية تنقذ المشروع، كما حدث عام 2022 عندما تم تجاوز أزمة مماثلة. ومن المقرر أن يجتمع وزراء دفاع فرنسا وألمانيا وإسبانيا في برلين هذا الشهر، على أن يتبع اللقاء محادثات مباشرة بين الرئيس ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس. ويرى محللون أن التوصل إلى اتفاق جديد لتقاسم الأدوار سيحدد ما إذا كان المشروع سيستمر أم سيتحول إلى مثال آخر على صعوبة تحقيق التكامل الدفاعي الأوروبي.

 

رهان على استقلالية أوروبا الدفاعية

 

يمثل مشروع FCAS اختبارًا حقيقيًا لقدرة أوروبا على امتلاك استقلالية عسكرية وتكنولوجية في عالم يزداد استقطابًا. غير أن الخلافات بين باريس وبرلين تكشف عن هشاشة الطموح الأوروبي عندما يصطدم بحسابات السيادة والمصالح الصناعية. وإذا فشل الجانبان في إنقاذ المشروع، فإن الاتحاد الأوروبي سيجد نفسه متأخرًا خطوة أخرى خلف الولايات المتحدة وحلفائها في سباق تطوير مقاتلات الجيل السادس.

اقرأ أيضاً

فرنسا توقف قبطان ناقلة نفط مرتبطة بـ”الأسطول الشبح” الروسي بعد توغلات الدرون في الدنمارك

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى