كولومبيا تعيد جزءًا من مزرعة بابلو إسكوبار إلى ضحايا الصراع

أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن قرار وصف بالتاريخي، يقضي بإعادة جزء من “هاسيندا نابوليس”، المزرعة الأسطورية التي أنشأها زعيم المخدرات الشهير بابلو إسكوبار، إلى مجموعة من النساء اللواتي تضررن من عقود من النزاع المسلح في البلاد. هذه الخطوة تأتي كجزء من سياسة أوسع تسعى لإصلاح نظام ملكية الأراضي وإعادة الحقوق إلى أصحابها الحقيقيين، بعدما جُرّد الآلاف من ممتلكاتهم في سنوات التهجير والعنف. القرار لا يقتصر على إعادة أراضٍ فحسب، بل يحمل بعدًا رمزيًا قويًا بتحويل رمز إجرامي ارتبط بالمخدرات والدمار إلى وسيلة لإعادة الكرامة والأمل للضحايا، خصوصًا النساء المزارعات.
إرث إسكوبار المظلم ومزرعته الشهيرة
بابلو إسكوبار، زعيم كارتل ميديلين في الثمانينيات، كان أحد أبرز تجار المخدرات في العالم بثروة قدرتها فوربس حينها بـ25 مليار دولار. اشتهرت مزرعته “هاسيندا نابوليس” بما احتوته من مدرج طائرات خاص وحلبة مصارعة وسيارات فارهة، إضافة إلى حديقة حيوانات غريبة ضمت فرس النهر والزرافات. بعد مقتله عام 1993، تحولت المزرعة المهملة إلى حديقة ترفيهية تستقبل ملايين السياح سنويًا. ورغم أنها شكلت مصدر دخل اقتصادي محلي، فإنها بقيت رمزًا مريرًا لسنوات الدم والعنف، ما جعل قرار إعادة جزء منها للضحايا حدثًا محوريًا يعيد النقاش حول معنى العدالة التاريخية في كولومبيا.
تخصيص 120 هكتارًا للنساء المتضررات
الخطوة الحكومية الأخيرة شملت تخصيص 120 هكتارًا من المزرعة لصالح مجموعة من المزارعات اللواتي عانين من النزاع المسلح. وجاء القرار بعد مطالبات متكررة من المجتمع المدني ومنظمات حقوقية بإعادة الأراضي المنهوبة إلى أصحابها الأصليين. المدير الوطني لوكالة الأراضي فيليبي هارمان وصف الخطوة بأنها “انتصار تاريخي للنساء اللواتي لم يتوقفن عن النضال”. المبادرة تمثل انتصارًا قانونيًا واجتماعيًا طال انتظاره، وتفتح الباب أمام قرارات مماثلة يمكن أن تمهد الطريق لإصلاح شامل في ملف الأراضي، أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ الصراع الكولومبي.
أصوات المستفيدين: أمل جديد في أرض قديمة
ميلينيري كوريا، إحدى المزارعات اللواتي حصلن على الأرض، عبّرت عن فرحتها قائلة: “أشعر بسعادة غامرة لأن هناك اليوم نساء لديهن أمل وأرض للحياة”. كلماتها تعكس شعور الكثير من النساء اللواتي طالما عشن على الهامش نتيجة الحرب والتهجير. بالنسبة لهن، الأرض ليست مجرد مصدر رزق، بل استعادة للهوية والانتماء، وخطوة نحو مستقبل أكثر استقرارًا. هذه الأصوات تجعل القرار يتجاوز كونه إجراءً إداريًا، ليصبح فعلًا اجتماعيًا يعيد الثقة للضحايا بأن العدالة ممكنة، حتى وإن جاءت بعد سنوات طويلة من الانتظار والصراع.
رمزية التحول وتحديات التنفيذ
يمثل القرار جزءًا من جهود العدالة الانتقالية في كولومبيا، حيث تسعى الدولة لتعويض ضحايا الحرب وإعادة دمجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. الرمزية هنا بالغة الأهمية، إذ إن تحويل أرض بُنيت عليها إمبراطورية إجرامية إلى وسيلة لتمكين النساء المزارعات، يعكس تحولًا جوهريًا في كيفية مواجهة إرث الماضي. ومع ذلك، تواجه الخطة تحديات حقيقية، أبرزها معارضة بعض السكان المحليين الذين يعتمدون على السياحة في الحديقة القائمة بالمزرعة. وقد خرج نحو 1500 شخص في احتجاجات تعكس تعارض المصالح بين التنمية الاقتصادية وحقوق الضحايا.
كولومبيا بين المصالحة والماضي الثقيل
إعادة جزء من “هاسيندا نابوليس” إلى ضحايا الصراع خطوة تحمل دلالات رمزية وسياسية كبيرة. فهي تؤكد أن كولومبيا تتحرك نحو مصالحة وطنية، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه هذا المسار. القرار يوازن بين محاولات إغلاق صفحة مظلمة من التاريخ وبين بناء مستقبل جديد قائم على العدالة الاجتماعية والإنصاف. ورغم أن الصراع بين مصالح السياحة وحقوق الضحايا لم يُحسم بعد، فإن الخطوة تظل علامة فارقة في رحلة الكولومبيين الطويلة نحو إعادة الاعتبار للضحايا وترسيخ أسس سلام دائم يقوم على استرجاع الحقوق قبل أي شيء آخر.