الاختراق الروسي في باكروفسك.. معركة الشرق الأوكراني تدخل مرحلة جديدة

تواصل روسيا تصعيد هجماتها في شرق أوكرانيا، حيث اخترقت وحدات من قواتها دفاعات مدينة باكروفسك الاستراتيجية في منطقة دونيتسك، لتفتح جبهة جديدة في حربٍ لم تهدأ منذ عامين. وتأتي هذه التطورات بينما تتعثر المساعي الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى وقف القتال أو التوصل إلى اتفاق سلام. وأكدت هيئة الأركان الأوكرانية أن نحو 200 جندي روسي تسللوا إلى أطراف المدينة، في وقت تدور فيه معارك عنيفة على طول الجبهة الممتدة لأكثر من ألف كيلومتر. أما موسكو، فأعلنت أن قواتها تطوق المدينة بالكامل، وهو ما نفاه الرئيس فولوديمير زيلينسكي مؤكدًا أن الجيش الأوكراني لا يزال يقاتل داخل المدينة بشراسة. ومع احتدام القتال، باتت باكروفسك مرشحة لتصبح نقطة تحول ميدانية في الحرب الروسية الأوكرانية.
معارك عنيفة وتضارب في الروايات
تدور معارك شرسة داخل شوارع باكروفسك، حيث تؤكد كييف أن القوات الروسية لم تنجح في السيطرة الكاملة على أي من أحيائها حتى الآن. وقال زيلينسكي في خطاب متلفز إن “الوضع صعب لكننا لسنا محاصرين”، فيما تدّعي موسكو أنها أطبقت الحصار على 5500 جندي أوكراني. ويرى محللون أن تضارب الروايات يعكس حربًا إعلامية لا تقل ضراوة عن المعارك الميدانية. فروسيا تسعى لإظهار تفوقها قبل حلول الشتاء، بينما تحاول أوكرانيا إثبات قدرتها على الصمود رغم الخسائر البشرية ونقص الذخيرة. ووفق تقديرات ميدانية، ما تزال المدينة مقسّمة بين الطرفين، مع استمرار الاشتباكات في أحيائها الجنوبية والغربية.
باكروفسك.. مفتاح الشرق الأوكراني
تكتسب باكروفسك أهمية استراتيجية كبيرة لكونها مركزًا لوجستيًا رئيسيًا يربط خطوط الإمداد في دونيتسك. السيطرة عليها قد تمهّد الطريق أمام موسكو للتقدم نحو مدينتي سلافيانسك وكاراماتورسك، اللتين تشكلان الحزام الدفاعي الأهم للجيش الأوكراني في الشرق. ويقول محللون إن سقوط المدينة سيمنح روسيا موقعًا ميدانيًا متقدّمًا يسمح بتوسيع نطاق عملياتها نحو العمق الأوكراني. في المقابل، تؤكد كييف أنها استعادت ثلاث قرى شمال المدينة بعد هجمات مضادة محدودة، في محاولة لإبطاء التقدّم الروسي. وتصف تقارير غربية المعركة بأنها “سباق استنزاف”، يعتمد فيه كل طرف على desgaste الخصم أكثر من السيطرة على الأرض.
المسيّرات تغيّر شكل الحرب
تغيّر التكنولوجيا ملامح الحرب في الشرق الأوكراني. فقد أصبحت الطائرات المسيّرة سلاحًا أساسيًا للطرفين، تُستخدم في الاستطلاع والاستهداف وتدمير الإمدادات. وأشارت تقارير ميدانية إلى أن روسيا كثّفت استخدام المسيّرات الهجومية لإرباك الدفاعات الأوكرانية، بينما تعتمد كييف على المسيّرات الصغيرة لضرب الخطوط الخلفية الروسية. وأوضح المحلل العسكري كوستياتين ماشوفيتس أن الروس “ينفذون عمليات تسلل صغيرة تتألف من ثلاث إلى خمس وحدات داخل الأحياء الجنوبية، ويخلقون الفوضى عبر هجمات مباغتة بدلًا من اقتحامات مباشرة”. هذا التحول التكتيكي جعل المعارك أكثر فوضوية، وقلّل من جدوى الدفاعات التقليدية داخل المدن.
خسائر فادحة بلا حسم ميداني
رغم تحقيق روسيا مكاسب محدودة، إلا أن الثمن البشري يبقى باهظًا. فوفق تقديرات الاستخبارات البريطانية، خسرت موسكو نحو مليون جندي بين قتيل وجريح منذ بدء الحرب، بينهم ربع مليون قتيل. وتشير التقديرات الغربية إلى أن التقدم في باكروفسك يمثل “اختراقًا موضعيًا”، لكنه لا يغيّر ميزان القوى العام. ومع استمرار الاستنزاف، تبدو الجبهات الأخرى في حالة جمود، فيما تعاني أوكرانيا من نقص حاد في الذخيرة والجنود. أما روسيا، فرغم تفوقها العددي، تواجه تحديات في الحفاظ على خطوط الإمداد والروح المعنوية. وهكذا تتحول الحرب إلى صراع طويل الأمد ينهك الطرفين معًا.
دونيتسك.. جبهة مفتوحة على المجهول
تعكس معركة باكروفسك عمق المأزق الذي وصلت إليه الحرب. فبينما تحاول موسكو فرض واقع ميداني جديد قبل أي مفاوضات سلام، تسعى كييف إلى الصمود مهما كلف الثمن. المبادرات الدولية لم تحقق اختراقًا، والهدنة لا تزال بعيدة المنال. في ظل ذلك، تتصاعد الكلفة الإنسانية والمادية على الجانبين، بينما يواصل المدنيون في دونيتسك دفع الثمن الأكبر من القصف والنزوح. ومع غياب أفق واضح للحل، يرى المراقبون أن الشرق الأوكراني مقبل على مرحلة أكثر دموية، وأن معركة باكروفسك قد تحدد شكل الحرب في الشهور المقبلة، بين صمودٍ أوكراني جديد أو اختراق روسي أوسع.



