الاقتصاد

الفضة تتفوق على الذهب.. موجة طلب غير مسبوقة تهز سوق لندن

في تطور لافت، شهدت أسواق المعادن قفزة غير مسبوقة في أسعار الفضة التي تجاوزت حاجز 53 دولارًا للأونصة، لتسجل أعلى مستوى في تاريخها الحديث. الارتفاع الحاد الذي تخطى نسبة 85% منذ بداية العام جعل المعدن الأبيض يتفوق بوضوح على الذهب، الذي ارتفع بنسبة 59% فقط في الفترة نفسها. ويرى محللون أن هذه الموجة الصعودية التاريخية ناتجة عن مزيج من الطلب الصناعي المتزايد — خاصة من قطاعات الإلكترونيات والطاقة الشمسية — إلى جانب اندفاع المستثمرين نحو الفضة كملاذ أرخص وأكثر تقلبًا من الذهب. كما ساهم الطلب الموسمي من الهند خلال موسم الأعراس والمهرجانات في تغذية هذا الاتجاه التصاعدي.

 

اختناق في الإمدادات يهز قلب سوق لندن

 

تشهد سوق لندن، مركز تجارة المعادن الثمينة في العالم، أزمة إمدادات حادة جعلت الفضة المادية شبه نادرة. فقد انخفضت المخزونات إلى مستويات تاريخية متدنية، ما أدى إلى ظهور علاوات سعرية غير معتادة تراوحت بين دولار ودولين للأونصة مقارنة بأسعار العقود الآجلة في نيويورك. وقال راندى سمولوود، الرئيس التنفيذي لشركة Wheaton Precious Metals: “هناك أزمة حقيقية، ببساطة لا يمكنك شراء كميات كبيرة من الفضة المادية لأنها غير متوفرة.” وأكدت المحللة نيكي شيلز من MKS Pamp أن ما يحدث هو “اختناق غير مسبوق” شلّ محور التداول في لندن، حيث تحوّل المركز المالي الأقدم في العالم إلى ساحة عجز غير مألوفة في سوق المعادن.

 

شحن الفضة جوًا عبر الأطلسي

 

في مشهد غير معتاد، بدأ بعض المتعاملين بنقل شحنات الفضة جوًا من نيويورك إلى لندن لتغطية العجز الكبير، في خطوة نادرة نظرًا لوزن المعدن وكلفة نقله العالية. عادة ما يُنقل الذهب فقط جوًا، بينما تُشحن الفضة بحرًا، ما يعكس حدة الأزمة الراهنة. ويشير متعاملون إلى أن هذا الوضع تجاوز في شدته حتى أزمة عام 1980 الشهيرة، حين حاول المستثمران الأمريكيان “إخوة هانت” احتكار السوق. ويصف المتداولون الفضة بأنها “الذهب على المنشطات”، نظرًا لتقلب أسعارها العنيف خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية، وهو ما يضاعف المخاطر والمكاسب في آن واحد.

 

العوامل السياسية والهيكلية وراء الأزمة

 

يؤكد خبراء أن الأزمة الحالية ليست فقط نتيجة طفرة الطلب، بل أيضًا لتغيرات جيوسياسية وهيكلية في السوق. فقد أدى الحديث عن فرض رسوم جمركية أمريكية على واردات الفضة إلى تراكم المعدن في نيويورك، ما عمّق نقص الإمدادات في لندن. كما أن الطلب الهندي المتزايد قبل موسم المهرجانات استنزف المخزونات بشكل إضافي. من جانب آخر، يعاني الإنتاج العالمي من حالة جمود منذ عام 2017، حيث تستخرج الفضة غالبًا كمُنتَج ثانوي من مناجم الرصاص والزنك والذهب، مما يجعل زيادة إنتاجها صعبة وسريعة في الوقت نفسه. هذه العوامل مجتمعة خلقت عاصفة مثالية قلبت التوازن في سوق المعادن الثمينة.

 

لندن في قلب العاصفة العالمية

 

ترى صحيفة “فايننشال تايمز” أن سوق الفضة بات يعيش لحظة اضطراب تاريخية، يتقاطع فيها الطلب الصناعي والاستثماري مع أزمات الإمدادات والسياسات التجارية. فبينما تسعى المصانع والمستثمرون لتأمين احتياجاتهم بأي ثمن، تجد لندن نفسها مركزًا لعاصفة اقتصادية جديدة، حيث الأسعار تواصل الارتفاع والندرة تتفاقم. ومع استمرار الأزمة دون حلول جذرية، يخشى محللون أن تصبح الفضة المعدن الذي يعيد كتابة تاريخ الأسواق العالمية، لتتحول من مجرد معدن أبيض إلى مؤشر حساس يعبّر عن توتر الاقتصاد العالمي وخلل سلاسل الإمداد التي لم تتعافَ بعد من صدمات السنوات الأخيرة.

اقرأ أيضاً

أربع دروس خالدة من التاريخ المالي.. استثمار المستقبل يبدأ من فهم الماضي

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى