“جيريمي رينر بعد الحادث المروّع: حياة جديدة خرجت من تحت عجلات الموت”:
حادث كاد أن يودي بحياته غيّر كل شيء: مذكرات جديدة تكشف هشاشته، ندمه، وحبه الجديد للحياة بعيدًا عن أقنعة هوليوود

من نجم أفلام الأكشن الصلب إلى رجل هشّ يُصارع الموت، ومن حياة صاخبة بالشهرة والفضائح إلى أخرى مفعمة بالحب والامتنان والهدوء.
يسرد الممثل الأمريكي جيريمي رينر في مذكراته الجديدة “أنفاسي التالية” تحوّله الجذري بعد حادث الثلوج الشهير الذي كاد يودي بحياته في رأس السنة 2023.
كان رينر يعرف بلقب “الرجل الحديدي” في حياته المهنية والشخصية، إلا أن سحقه تحت آلة جرافة تزن أكثر من 6 أطنان حوّله إلى رجل يقول إنه “لم يكن يومًا أكثر هشاشةً وانفتاحًا وإنسانية”.
هذا الحادث لم يكسّر عظامه فقط، بل كسر أيضًا قناع البطولة الهوليودية وأعاده إلى ما يسميه “جوهر الحياة”. في حوار مطول مع الغارديان، فتح قلبه وتحدث بصراحة نادرة عن الموت والحياة، الفن والحقيقة، العائلة والندم.
من نجم خارق إلى رجل محطم العظام
في لحظة خاطفة، تحوّلت ملامح القوة في جسد رينر إلى حطام بشري. جرافة ضخمة كانت تنزلق على الجليد، وانقضّ عليها لإنقاذ ابن أخيه. لكن بدلاً من النجاة، سقط تحت عجلاتها الفولاذية، لتسحق جسده وتكسر أكثر من 30 عظمة، من الفك إلى الكتف، ومن الحوض إلى الكاحل.
“كان صوت العظام تتكسر هو أكثر ما أرعبني”، يكتب في مذكراته. لكن الأسوأ من الألم، كان شعوره بأن نهايته قد حانت، بل إنه يؤكد أنه “شعر بلحظة الموت” واصفًا إياها بأنها “سلام إلهي جماعي لا يوصف”.
قصة بقاء مستحيلة: أنفاس من تحت الثلج
ما بين نزيف حاد، رئة منهارة، وكبد مثقوب، ظل رينر حيًّا فقط بفضل تدخل جيرانه وأفراد عائلته. أحد الجيران ظل يرفع ذراعه المهشمة ليمنعها من الضغط على رئته المثقوبة، وجارة أخرى ظلت تهمس له: “ابقَ معنا، لا تغب”.
في تلك اللحظات، لم يكن الممثل يفكر في الجوائز أو الشهرة، بل في وعدٍ قطعه لمن كانوا ينتظرونه للتزلج صباحًا، ورفض أن يخذلهم. “أردت فقط ألا أخيب ظنّهم”، يقول بضحكة ساخرة تخفي وراءها أعمق جراحه النفسية.
التحول النفسي: من قناع البطولة إلى رجل هشّ وصادق
يروي رينر كيف تحرر من عباءة التمثيل الزائف بعد الحادث. صار يرى الفن الخيالي عبئًا، ويفضل الواقعية العارية على أدوار الأكشن. “أصبحت أُفضّل الحياة كما هي، من دون أقنعة.
لا وقت عندي للخيال بعد أن حاربت لأتنفس وأمشي من جديد”، يقول. تغيرت أولوياته، وغدت الأسرة والواقع أهم من السينما والبطولات.
الحياة العائلية والصراع مع الشهرة
رغم أدواره الخارقة، كان رينر في الواقع أبًا مشتتًا يعاني من ضغط النجومية. لم يرَ أسرته لأربع سنوات متتالية في أعياد ميلادهم، وكان يقضي وقته بين تصوير الأفلام وتجديد المنازل.
في فترة ما، كانت حياته أشبه بمزيج بين حضانة وملهى ليلي داخل منزله. “كان بيتي مركزًا لكل شيء: العمل، العائلة، الموسيقى، وحتى الحفلات. وكان الأمر مرهقًا ومربكًا”.
الخلافات والفضائح: معارك في الظل
يروي رينر بصراحة مؤلمة كيف أثرت معركته القضائية مع زوجته السابقة على صورته العامة، بعدما اتهمته بأنه “أب غير صالح”. رغم نفيه لهذه الاتهامات واعتبارها “تلفيقات مؤلمة”، إلا أنها لطّخت سمعته. لكنه الآن يؤكد أن علاقتهما أصبحت أفضل مما كانت.
ويكشف أن زوجته السابقة ترسل له صورًا جميلة لطفلها الجديد. “هذه أمور لا تهم أحدًا، لكنها حدثت”.
من قساوة الرجل إلى رقة الأب والناجي
رغم صيته كرجل “صعب المراس” وقوي المظهر، يعترف رينر أن الحادث ساعده في الكشف عن جانبه الحنون. “كنت غاضبًا، متشائمًا، وأحيانًا لا يُحتمل. لكني كنت أضع العمل فوق كل شيء”. الحادث جعله يعيد النظر، ويعترف: “لا وقت لدي لأكون غاضبًا الآن. لدي أشياء أكثر أهمية… لدي ابنتي، وأطفال آخرون يحتاجونني”.
مذكرات وتيتانيوم: حب وبقاء
اختار أن يسمي ألبومه الجديد “حب وتيتانيوم”، لأنهما – كما يقول – الشيئان الوحيدان اللذان أنقذاه: حب أسرته وأصدقائه، والتيتانيوم الذي يثبت الآن أجزاء جسده.
في كتابه، لا يلمّع صورته، بل يعترف بعيوبه، بخوفه، بكونه كان صعب المحبة، ويصر على أن ما يهمه الآن هو ما يتركه من أثر لا ما يحصده من مجد.
الرسالة الجديدة: لمن يعيشون في الهامش
بعيدًا عن هوليوود، يكرّس رينر حياته الآن لمؤسسته RennerVation التي تعنى بالأطفال المعرضين للخطر والمحرومين. يرمم الحافلات القديمة ليحوّلها إلى مكتبات أو ملاجئ متنقلة. “هذه رسالتي الآن”، يقول، “أن أُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس”. ويختم: “ما كنت لأبوح بكل هذا لولا أن سحقني القدر تحت عجلات آلة ثلج… لكنه سحق الغرور أيضًا وأخرج هذا القلب”.