رينيه راب.. نجمة البوب التي لا تخشى الصدام: بين الجرأة الفنية والاشتباك السياسي
نجمة البوب التي لا تخشى الصدام

في زمنٍ تتحكم فيه حسابات العلاقات العامة في كل ما يقوله المشاهير، تأتي رينيه راب كنموذج نادر لنجمة لا تضع “الفلتر” بين عقلها ولسانها. هي فنانة أميركية شابة انطلقت من المسرح إلى التلفزيون ومنه إلى عالم البوب، لكنها اشتهرت أكثر بصراحتها المربكة وآرائها الجريئة التي لا تتردد في التعبير عنها حتى عندما تثير الجدل. فبقدر ما تنجح في إبهار جمهورها بصوتها، تنجح أيضًا في إرباك الإعلاميين بتعليقاتها الساخنة حول النسوية، والسياسة، والمشاهير، وقضايا فلسطين والمجتمع الأميركي المحافظ.
في هذا التقرير، نغوص في ملامح شخصية رينيه راب، كما ترويها بنفسها، عبر مقابلة مطولة مع صحيفة الغارديان البريطانية.
بين المسرح والشهرة: من «Mean Girls» إلى نجمات البوب
رينيه راب، المولودة عام 2000، لفتت الأنظار لأول مرة على مسرح برودواي من خلال أدائها لدور “ريجينا جورج” في النسخة الموسيقية من فيلم Mean Girls، ثم تحوّلت إلى الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل The Sex Lives of College Girls من إنتاج ميندي كالينغ، حيث أدّت دور “ليتون موراي” الفتاة الثرية التي تعاني في الخفاء مع هويتها الجنسية. لكن ما دفعها إلى النجومية فعلًا لم يكن التمثيل، بل ألبومها الأول “Snow Angel” الذي صدر عام 2023 ولاقى ترحيبًا نقديًا واسعًا، ومهّد الطريق لألبومها الثاني المرتقب “Bite Me”.
الصراحة كعلامة تجارية: «لم أتلقَّ تدريبًا إعلاميًا – ولا أريد»
بعيدًا عن الأستوديوهات، ما يميز رينيه راب حقًا هو حضورها الإعلامي الفريد. ففي زمن التصريحات المنمّقة، تتعمد رينيه أن تكون “فوضوية” في كلامها، لا تسعى لأن تُفهم بقدر ما تسعى لأن تكون حقيقية. هي نفسها تعترف: «لم أتلقَّ تدريبًا إعلاميًا مطلقًا، ولن أفعل. أن أُقدّم إجابات ناعمة سيكون بمثابة الجنون بالنسبة لي». ويبدو أن الجمهور أحب هذا التمرّد، حتى أصبحت التصريحات غير المحسوبة جزءًا من علامتها الفنية.
عندما يصبح الصدق عبئًا على الفنان
لكن لهذه الصراحة ثمنًا. فمع بداية الترويج لألبومها الجديد، واجهت راب لحظات صعبة، أبرزها خلال جلسة أسئلة وأجوبة مع معجبيها في لندن، والتي تحولت إلى فوضى بسبب مجموعة مخمورة من الحضور. تقول: «كنت متحمسة للحديث عن الألبوم مع معجبين مهتمين فعلاً، لكن ما حدث جعلني حزينة». الأسوأ كان بعدها، عندما تعرّضت هي وشريكتها الموسيقية “توا بيرد” للملاحقة من معجبين حتى باب المصعد. وتصف الحادثة بغضب قائلة: «لا يحق لكم ملاحقة حبيبتي – هذا تجاوز غير مقبول».
المواقف السياسية: من نقد “الماجا” إلى مناصرة فلسطين
لا تتردد رينيه راب في إعلان مواقفها السياسية، وإن كانت مثيرة للجدل. في أبريل 2024، دعت في حفل توزيع جوائز GLAAD إلى “وقف إطلاق نار دائم وفوري” في غزة، ووصفت ما يجري هناك بـ”الإبادة الجماعية”. حين سُئلت عمّن نصحها باستخدام لغة أخف، أجابت بسخرية: «يقولون لي إن الكلمات القوية تزعج الناس. لكن ما يزعجني حقًا هو ذبح المدنيين». هذا الموقف أثار إعجاب البعض وهجوم آخرين، لكن رينيه لم تتراجع، مؤكدة: «لم أطلب يومًا موافقة المحافظين البيض – ولن أبدأ الآن».
طفولة وسط البندقيات والعنصرية
نشأت رينيه في بلدة صغيرة تدعى “هانترسفيل” بولاية كارولاينا الشمالية، وهي منطقة توصف اليوم بأنها قاعدة انتخابية لحركة “ماجا” المؤيدة لترامب. تتذكر تحذيرات والدتها لها بعدم الاتجاه يمينًا خارج الحي “لأن هناك رجالًا يحملون البنادق، ونظرة خاطئة قد تؤدي لإطلاق النار”. ورغم أن راب خرجت من هذا المحيط المحافظ، إلا أن انعكاساته ما زالت تؤثر فيها. فقد فقد والدها ووالدتها التواصل مع بعض جيرانهم لمجرد أنهم لم يرفضوا ميول ابنتهم الجنسية علنًا.
النسوية، الكويرية، والنقد الذاتي
رينيه راب صريحة أيضًا في الحديث عن هويتها الجنسية. بعد أن أعلنت أنها ثنائية الميول الجنسية عام 2022، باتت تُعرّف نفسها اليوم كـ”مثلية”. هي لا تحصر نفسها في قالب نسوي كلاسيكي، بل تعترف بأنها كانت في وقت ما “منحازة ضد النساء من جيل الألفية”. تضحك على الأمر الآن، لكنها لا تخشى الاعتراف بأخطائها، بل ترى في ذلك امتدادًا لقيم تربّت عليها: «أهم ما علمه لي أهلي هو أن أكون مسؤولة أمام نفسي والآخرين، حتى لو كنت مخطئة».
بين الحقيقة والتلاعب الفني: متى تكذب رينيه راب؟
رغم تمسّكها بالصدق، تؤمن رينيه راب بحق الفنان في المبالغة والتلاعب بالوقائع لخدمة الأغنية. تقول: «أحب الكذب في الأغاني!». لكنها تميّز بين الكذب الفني الذي يضخّم التجربة، والكذب الذي يخدع. في أغنيتها “Leave Me Alone” تغني ساخرة: “أخذت حياتي الجنسية معي، والآن المسلسل ما بقى يشد!”، في إشارة ساخرة لفترة ما بعد انسحابها من مسلسل Sex Lives، ما فجر جدلًا على الإنترنت حول ما إذا كانت تهاجم زملاءها. ردّت بابتسامة ساخرة: «أنا ما كتبت الأغنية»، ثم أضافت متهكمة: «ما سمعتش عن المسلسل ده.. حلو؟».
الثقة بالنفس تبدأ من البيت
عندما سُئلت عن مصدر جرأتها وثقتها، أجابت ببساطة: «أهلي». والدها ووالدتها كانا صارمين، لكنه تعليم صارم أخرج شخصية قوية. «كانوا دائمًا يقولون: ما فيش عيب إنك تغلط، لكن العيب إنك تهرب من المسؤولية».
رينيه اليوم لا تثق إلا بعدد محدود من الأشخاص – والسبب، كما تقول، أنها تعلم أن كثيرين يجمّلون الحقيقة فقط لأنهم لا يجرؤون على قولها. هذا ما يجعلها متمسكة بالحقيقة – حتى لو جرحت، حتى لو أزعجت، وحتى لو تسببت في جدل عابر.
النهاية المفتوحة لنجمة لا تنوي أن تُروض
رينيه راب ليست فقط صوتًا قويًا في موسيقى البوب الحديثة، بل تمثل ظاهرة ثقافية، تشبه جيلًا لا يرى بأسًا في المزج بين الهزل والاحتجاج، وبين الشهرة والوعي. هي تعلم أن “الصراحة قد تؤذي”، لكنها تعرف أيضًا أن ما يؤذي أكثر هو أن تُعامَل كصوت بلا موقف.
ومع اقتراب موعد صدور ألبومها الجديد “Bite Me”، يبدو أن جمهور رينيه – سواء أحبها أو استفزته – لا يزال غير قادر على تجاهلها.