نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس يختار ريف انجلترا لقضاء عطله عائلية توتراته السياسية مع بريطانيا
نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس يقضي عطلته في الريف الإنجليزي

في تحول يبدو رمزيًا بقدر ما هو شخصي، قرر نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس قضاء عطلته الصيفية هذا العام في أحضان الريف الإنجليزي، وتحديدًا في منطقة كوتسوولدز، المعروفة بتلالها الخضراء ومنازلها الحجرية الأنيقة. ويأتي ذلك رغم مواقف فانس المتشددة تجاه الحكومات الأوروبية، وبريطانيا على وجه الخصوص، والتي هاجمها مرارًا على خلفيات سياسية وثقافية.
بحسب تقارير إعلامية بريطانية، من المتوقع أن يستأجر فانس وزوجته أوشا وأطفالهما الثلاثة منزلًا في المنطقة الريفية الشهيرة، بعد أن ينتهي الرئيس دونالد ترامب من إجازته الصيفية في اسكتلندا. كما تشمل الجولة العائلية المرتقبة محطات في العاصمة لندن، وكذلك اسكتلندا، رغم احتمالات الاستقبال البارد هناك بسبب الانتقادات التي وجهها فانس لحكومة إدنبرة.
من تلال الأبلاش إلى هدوء كوتسوولدز
اشتهر فانس بكتاب مذكراته “مرثية هيلبيلي”، الذي تناول فيه تجربته الشخصية في منطقة الأبلاش الأمريكية، حيث الفقر والتهميش والهوية المحافظة. لكن رحلته الحالية تأخذه إلى تلال إنجليزية أكثر لطفًا، في كوتسوولدز، التي أصبحت مقصدًا للنخب السياسية والإعلامية في بريطانيا، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون والمذيع جيريمي كلاركسون.
هذا التحول المكاني يعكس من جهة بحث فانس عن استراحة عائلية، لكنه أيضًا لا يخلو من دلالات على محاولته الحفاظ على صورة أكثر مرونة أمام الحلفاء الأوروبيين، في وقت تتصاعد فيه حدة خطاب إدارة ترامب تجاه القارة العجوز.
علاقة متوترة مع لندن
زيارة لندن تمثل جزءًا من جولة فانس، رغم تعليق سابق له وصف فيه العاصمة البريطانية بأنها “لم تعد إنجليزية”، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2024. كما لم يتردد فانس في انتقاد الحكومة البريطانية علنًا، متهمًا إياها – ضمن حكومات أوروبية أخرى – بأنها تمارس قمعًا لحرية التعبير وتفشل في السيطرة على الهجرة غير النظامية، حسب قوله في مؤتمر ميونيخ الأمني في فبراير الماضي.
في خطابه في ميونيخ، ركّز فانس على حادثة اعتقال رجل كان يصلي بصمت خارج عيادة إجهاض في بريطانيا، معتبرًا ذلك مثالًا صارخًا على “تراجع حرية التعبير” في أوروبا، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من سياسيين ونشطاء حقوقيين في المملكة المتحدة.
اسكتلندا: محطة محفوفة بالمواقف العدائية
أما في اسكتلندا، فمن المرجح أن يواجه فانس أجواءً أكثر توترًا، خاصة بعد أن انتقد الحكومة المحلية بسبب قوانين “مناطق الحماية” حول عيادات الإجهاض، مدعيًا أنها تجرّم حتى “الصلاة الخاصة داخل المنازل”. وردّ المتحدث باسم الحكومة الاسكتلندية بأن هذه الادعاءات “غير صحيحة تمامًا”، مؤكدًا أن القوانين الجديدة لا تشمل أي حظر على الصلاة في المنازل، بل تستهدف فقط حماية النساء من المضايقات أمام المراكز الطبية.ويُعرف عن اسكتلندا ميلها السياسي المعارض لترامب، كما أن أي مسؤول أمريكي بارز من الإدارة الحالية لا يحظى بترحيب شعبي واسع هناك، خصوصًا بعد سنوات من سياسات أمريكية أضرت بصورة الولايات المتحدة لدى كثير من الأوروبيين.
السياحة السياسية.. في الاتجاه المعاكس
تأتي زيارة فانس إلى المملكة المتحدة في وقت تراجعت فيه أعداد البريطانيين المسافرين إلى الولايات المتحدة بنسبة 14.3% في مارس 2025 مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، بحسب إحصائيات رسمية. ويعزو مراقبون هذا التراجع إلى السياسات الأمريكية المتشددة وخطاب ترامب المعادي للهجرة وبعض القضايا الحقوقية.ورغم هذا التراجع، لا تزال بريطانيا تمثل أكبر سوق سياحي خارجي للولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الروابط الثقافية والاقتصادية لا تزال قائمة، وإن شابتها التوترات السياسية.
هل يسعى فانس لتلميع صورته؟
بالنسبة للبعض، قد تبدو هذه العطلة الصيفية مجرد إجازة عائلية. لكن بالنسبة لمراقبين آخرين، فإن اختيار فانس لقضاء وقت في كوتسوولدز، وزيارة لندن – رغم تصريحاته السابقة – قد يحمل إشارات سياسية. ربما يسعى نائب الرئيس الأمريكي إلى تخفيف حدة مواقفه السابقة، أو على الأقل إلى تقديم صورة أكثر توازنًا في علاقاته مع أوروبا.
ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية المقبلة، تظل تحركات فانس محط اهتمام الإعلام الدولي، حيث يُنظر إليه ليس فقط بوصفه نائبًا للرئيس ترامب، بل كأحد أبرز وجوه التيار المحافظ الجديد في أمريكا، صاحب موقف حاد في السياسة الخارجية والاجتماعية، ومثيرة للجدل في الوقت نفسه.
في نهاية المطاف، قد تحمل هذه العطلة الصيفية ما هو أكثر من مجرد رحلة استجمام؛ ربما تكون محاولة لإعادة التموضع في الساحة الدولية، أو فرصة لتهدئة الجبهات التي أشعلها بنفسه.